ولا شكّ أنّ من بين أفعال الإنسان هناك سلسلة من الأفعال يستطيع الإنسان القيام بها والاقتراب منها من خلال مراعاة أوامر وإرشادات العقل وبالتالي يكون موفقاً في هذا المجال ، وكذلك توجد سلسلة من الأفعال التي يحكم العقل بوجوب الاجتناب والابتعاد عنها.
ولكن مع ذلك كلّه انّنا نجد أنّ قدرة العقل محدودة وغير قابلة لإدراك جميع الأُمور الحسنة أو القبيحة ، إذ إنّ هناك الكثير من الأُمور التي يعجز العقل عن إبداء رأيه فيها ، ولكن الله تعالى العالم بكلّ شيء مطلع عليها وعالم بها ويستطيع أن يوصلها إلى الإنسان من خلال طريق آخر غير طريق العقل ، وهذا الطريق هو «بعث الأنبياء» وهذا ما يصطلح عليه «بقاعدة اللطف» التي يذهب الحكماء إلى وجوبها على الله سبحانه (بمعنى أنّ مقتضى الحكمة والرحمة الإلهية يوجب على الله بعث الأنبياء).
وعلى هذا الأساس يكون بعث الأنبياء ـ باعتباره مصداقاً جلياً ل «اللطف الإلهي على عباده» ـ واجباً ولازماً.
وقد بيّن المحقّق الطوسي قدسسره هذا المعنى بعبارة مختصرة ومعبّرة حيث قال :
«وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية». (١)
إنّ منهج المتكلّمين لإثبات وجوب بعثة الأنبياء يبتني على كون النبوة لطفاً في التكاليف العقلية وانّها شرط في التكاليف السمعية (الشرعية) وما كان مشتملاً على تلك الخصائص والصفات فإنّه لازم.
وتوضيح ذلك : قال المقداد السيوري : الثالث : في وجوب بعثته ويدخل فيه بيان غايتها ولنا فيه طريقان ؛ أحدهما : طريقة المتكلّمين وهو انّها مشتملة على
__________________
(١). كشف المراد : ٢٧٣ ، ط قم ، مصطفوي.