والنكتة الجديرة بالانتباه في هذه الآيات المذكورة أنّها بعد أن تشير إلى إعطاء مقام «الحكم» أو «الملك» تردفهما بصفة العلم والمعرفة مشعرة بأنّ لازم النبوّة العلم بالتشريع والتقنين وإجراء الأحكام الإلهية. (١)
ب : المعرفة بملاكات التشريع
المعرفة بالتشريع كالسكّة ذات وجهين تشكّل الأحكام الوجه الأوّل منها والملاكات تشكل الوجه الآخر ، وبما أنّ الفعل الإلهي منزّه عن العبث فلا شكّ أنّ التشريعات الإلهية التي هي بذاتها أحد أفعال الله سبحانه لا تخلو عن الملاك (المصالح والمفاسد) والأنبياء يعلمون بتلك الملاكات.
وإنّنا وإن لم نعثر على دليل قرآني يصرح بذلك ، ولكن بالتمعّن في بعض الآيات والروايات يمكننا إدراك حقيقة معرفة الأنبياء بملاكات الأحكام واطّلاعهم عليها.
لقد أشار القرآن إلى ملاكات بعض الأحكام ، ويمكن الاستفادة من هذه الآيات أنّ الله سبحانه قد أطلع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم على تلك الملاكات ، وبما أنّ هذه الخاصيّة «الاطّلاع على الملاكات» لم تكن من مختصّات الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك يمكن القول : إنّ بقية الأنبياء مطّلعون على ملاكات الأحكام أيضاً.
إنّ القرآن الكريم يشير إلى ملاك تحريم الخمر والميسر في قوله تعالى :
(إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي
__________________
(١). بالإضافة إلى الوصف المذكور يمكن القول بخصوص الآيات التي تتعلّق بيوسف ولوط وموسى أنّ المقصود من «الحكم» هو نفس التعاليم الحكيمة التي منحت لهم من قبل الله سبحانه ، يقول سبحانه في حقّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ذلك ممّا أوحى إليك ربّك من الحكمة» (الإسراء : ٣٩).