العالم ، وذلك لم يكن الحدّ الأدنى منه متوفراً في زمن نوح عليهالسلام.
فإن قلت : إنّ ذلك التطوّر المدني وتطور وسائل الاتّصال لم تكن متوفرة في مكة المكرمة التي بعث فيها الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ومع ذلك نحن نؤمن بعالمية رسالته؟
قلنا : إنّ ذلك صحيح ، ولكن هناك نكتة لا بدّ من الالتفات إليها وهي انّ مكة والمدينة تقعان في مفترق طرق التجارة بين الشام واليمن ، وكانت ولسنين طويلة قبل بعثة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم توجد بين الشرق والغرب حركة اتّصال وتبادل تجاري وكان لذلك كلّه وسائطه المناسبة لتلك البرهة من الزمن ، وقد استفاد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم من تلك الإمكانات لإيصال صوت رسالته إلى العالم ، ولكن في عصر نوح يختلف الأمر حيث لم تكن مدنية ولم تكن تلك الإمكانات متوفرة كي يبعث برسالة عالمية ، إلّا إذا قلنا : إنّه لم يوجد على وجه الأرض في تلك الفترة من البشر إلّا تلك الأقوام التي كان يعيش نوح عليهالسلام بين ظهرانيهم ، وحينئذٍ ستكون رسالة نوح عليهالسلام عالمية أيضاً لانحصار العالم في قومه.
ولكنّ ذلك مجرد فرضية ذهنية ولا يمكن القطع بأنّ العالم المعاصر لنوح عليهالسلام كان منحصراً بالقوم الذين بُعِثَ فيهم.
هل أنّ عالمية الطوفان دليل على عالمية رسالته؟
إنّ الطوفان الذي حصل في زمن نوح عليهالسلام كان عالمياً حيث شمل جميع الناس ، والشاهد على عمومية الطوفان دعاء نوح حيث طلب من ربّه أن لا يبقي على الأرض أحداً من الكافرين (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١).
__________________
(١). نوح : ٢٦.