الولاية التكوينية وموضوع البشرية
قد يتصوّر أنّ القيام بالأعمال الخارقة للعادة والتصرف في عالم الخلق لا ينسجم مع مقام البشرية بحيث إنّ القدرة البشرية لا يمكن لها القيام إلّا بالأعمال والأفعال العادية والطبيعية ولا يمكن أن تتخطّى بحال من الأحوال تلك المنزلة وذلك المقام المرسوم لها أبداً.
وعلى هذا الأساس نرى أنّه لمّا طلب مشركو قريش من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقوم ببعض الأفعال الإعجازية أجابهم صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله :
(... سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً). (١)
والإجابة عن هذا المدّعى وبصورة إجمالية : لقد أُثيرت هذه الشبهة خلال القرنين الأخيرين اللّذين ازدادت فيهما حركة المستشرقين لدراسة الإسلام ووصلت إلى أوجها ، فمن بين الشبه التي طرحوها تلك الشبهة حيث قالوا : إنّ نبي الإسلام فاقد لكلّ معجزة وكرامة ، وقد تمسّكوا بالآية المذكورة لإثبات مدّعاهم.!! (٢)
إنّ الاستدلال بالآية المذكورة على نفي الولاية التكوينية بالإضافة إلى كونه
__________________
(١). الإسراء : ٩٣.
(٢). لقد جمع مؤلف كتاب «مشكاة صدق» الذي هو أحد علماء المسيحيين في بيت المقدس أكثر تلك الآيات في كتابه المذكور ، وقد ترجم ذلك الكتاب إلى اللغة الفارسية وطبع في مدينة لاهور ، وقد قام أخيراً أحد أذناب الاستعمار بجمع القسم الأعظم من تلك الآيات في كتابه الموسوم ب «رسالت بيست وسه ساله» أي رسالة الثلاث والعشرين عاماً ، وقد كتبت في نقد هذا الكتاب كتاباً تحت عنوان «راز بزرگ رسالت» أي «سرّ الرسالة العظيم» بيّنتُ فيه المراد من الآيات المذكورة ، وتوضيح هدفها بصورة جلية.