يبتعد عن الذنب أمام أعين الناس لغرض جلب رضاهم وثقتهم به ، ففي هذه الصورة يفقد النبي ثقة الناس بصدقه ، لأنّه من أين يعلم الناس أنّ هذا النبي في مجال تبيين الدساتير والأحكام الإلهية لا يكذب على الله؟
وحينئذٍ يفتقد الناس الملاك الحقيقي لتشخيص الصدق من الكذب.
أضف إلى ذلك أنّه يمكن للإنسان أن يخدع الآخرين بتزيين الظاهر مدة قليلة ، ولكنّه لا يستطيع التستر على تلك الصفة النفاقية مدة طويلة فلا ينقضي زمان إلّا وتنكشف السرائر ويُزاح الستار عن الحقيقة وتنكشف سَوْأته وتظهر عيوبه.
والخلاصة : انّ مثل هذه النظريات لا تنسجم مع بعثة الأنبياء ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى إنّها غير قابلة للإجراء والتنفيذ على الأرض ، وبهذا ينحصر طريق كسب الثقة وجلب الاعتماد بنزاهة وعصمة الأنبياء من الذنوب الظاهرة والخفية ، وكلّ فرضية من قبيل الفرضيتين السابقتين لا تتجاوز عن كونها نظرية خيالية وتوهّماً باطلاً.
٢. عوامل الجذب والانزجار
إنّ السيد المرتضى قد قرّر هذا البرهان ببيان آخر ، وقال ما هذا حاصله : إنّ الهدف من بعثة الأنبياء إنّما يتحقّق حينما تكون حياة الدليل (النبي) الإلهي منزّهة عن أيّ ضعف ، لأنّه لا شبهة في أنّ من تجوز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه عدم الإقدام على الذنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله واستماع وعظه كسكونها إلى من لا نجوّز عليه شيئاً من ذلك ، وهذا معنى قولنا : إنّ وقوع الكبائر منفّر عن القبول والمرجع فيما ينفّر وما لا ينفّر إلى العادات واعتبار ما تقتضيه ،