وهذه النظرية لا تتنافى مع ما ذكرناه في النظرية الأُولى ، بل النظرية الثانية تمثّل الأساس من النظرية الأُولى ، وذلك :
إنّ حالة الخشية المطلقة من الله ، وبتعبير آخر : «الدرجة القصوى من التقوى» لا يمكن أن تتحقّق من دون العلم القطعي بلوازم وتبعات المعصية والذنب ، وذلك لأنّ الإنسان المعصوم بسبب علمه يدرك ويلمس آثار وتبعات الذنوب ، وبذلك يستطيع أن يُؤمن نفسه من الإصابة بتلك الأُمور حيث إنّه يرى ومن هذا العالم الدنيوي مقامات أصحاب الجنة ودركات أصحاب الجحيم ويحسّ لهيب جهنم بنحو ودرجة يمتنع عندها ظهور أيّ عامل من عوامل ارتكاب الذنوب في روحه وفي نفسه ، ويكون في الواقع حقيقة ومصداقاً لقوله تعالى :
(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (١)
فانّه في ظلّ علم اليقين الذي يحمله يطلُّ من هذه الدنيا على العالم الآخر ليرى ما فيه وتتّضح له الصورة حتّى يستحيل عليه أن يحوم حول الذنب أو يفكّر فيه ، ومن هذا المنطلق نرى أنّ العلّامة الطباطبائي قدسسره يرى أنّ العصمة من مقولة العلم القطعي ، وأنّ هذا العلم القاطع ينتج درجة عالية من التقوى ، وفي النتيجة انّ النظريتين منسجمتان انسجاماً تامّاً ولا تنافي بينهما.
العصمة نتيجة الاستشعار بعظمة الرب وكماله وجماله
إنّ هنا نظرية ثالثة لتفسير حقيقة العصمة بأنّها استشعار العبد بعظمة الخالق وحبّه وتفانيه في معرفته وعشقه له يصدّه عن سلوك ما يخالف رضاه
__________________
(١). التكاثر : ٥ ـ ٦.