وحينما ينقل لنا موقف النبي يوسف عليهالسلام وامتناعه عن الاستجابة والامتثال لدعوة امرأة العزيز ومراودتها إيّاه يقول تعالى :
(... وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ...). (١)
ومن الملاحظ انّه قد استعملت لفظة العصمة في الآية الأُولى في الإمساك والتحفّظ ، وفي الثانية في المنع والامتناع ، والكلّ يرجع إلى معنى واحد.
وأحياناً يطلق لفظ العصمة على الشيء الذي يمتلك خاصية الوقاية ويمنع الإنسان من الوقوع في ما يكره ، ومن هذا المنطلق ، أُطلق هذا المصطلح على قمم الجبال ، يقول الشيخ المفيد قدسسره : إنّ العصمة في أصل اللغة هي ما اعتصم به الإنسان من الشيء كأنّه امتنع به عن الوقوع في ما يكره ، وليس هو جنساً من أجناس الفعل ، ومنه قولهم : اعتصم فلان بالجبل ، إذا امتنع به ، ومنه سمّيت العصم ، وهي وعول الجبال لامتناعها بها. (٢)
ومن هذه الجهة أطلق العرب على الحبل الذي يشدّ به الرحل أو الحمل لفظ «العصام» ، لأنّه وبواسطة هذا الحبل يحفظ من السقوط والتبعثر. وعلى كلّ تقدير المقصود من هذا اللفظ في بحثنا هو صيانة عباد الله الصالحين من الخطأ والعصيان ، بل الصيانة في الفكر والعزم ، فالمعصوم المطلق من لا يخطأ في حياته ولا يعصي الله في عمره ولا يريد العصيان ولا يفكّر به.
الجذور التاريخية لنظرية العصمة
لا ريب انّ علماء اليهود ليسوا هم الذين ابتدعوا فكرة العصمة ، وذلك
__________________
(١). يوسف : ٣٢.
(٢). أوائل المقالات : ١٣٤ ، باب القول في العصمة ما هي.