إنّ الإجابة عن هذا الإشكال تتّضح من خلال دراسة نوع النهي الإلهي ، لأنّ نهيه سبحانه كأمره ينقسم إلى نوعين هما :
١. الأمر والنهي الصادران من موقع المولوية والسلطة ، انّ الآمر تارة ينطلق من موضع مولويته وسلطته في إصدار أوامره ونواهيه ، وفي تلك الحالة تكون الأوامر والنواهي مولوية ، وحينئذٍ فإذا كانت تلك النواهي بصورة مؤكدة يطلق على ذلك النهي المولوي التحريمي ، وإن لم تكن مؤكدة فيطلق عليها اسم النواهي المولوية التنزيهية (الكراهة).
والقسم الأعظم من الأوامر والنواهي الإلهية تقع تحت هذه المقولة ، وانّ مخالفة النهي المولوي التحريمي تستوجب العقاب الإلهي ، ولكنّ مخالفة النهي المولوي التنزيهي لا تستوجب العقاب الإلهي ولكنّها تكون سبباً لتكدّر الروح والنفس الإنسانية.
٢. الأمر والنهي من موقع النصح والإرشاد ، فالآمر هنا يأمر وينهى انطلاقاً من موضع النصح والهداية والعظة والتذكير باللوازم الطبيعية للعمل المنهي عنه ، أي يتّخذ لنفسه موقف الناصح المشفق لا الآمر المتسلّط ، ففي مثل هذه الحالة تكتسب الأوامر والنواهي صفة الإرشادية ، ولا تكون نتيجتها إلّا تلك اللوازم الطبيعية للفعل ولا تستتبع أيّ عقاب أو جزاء.
إذا عرفنا ذلك فلندرس النهي الموجه إلى آدم عليهالسلام في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا) فهل هو من النواهي المولوية أو الإرشادية؟ فإذا كان النهي مولوياً فلا شكّ أنّ مخالفة آدم عليهالسلام تكون على خلاف العصمة وتكون موجبة لارتكاب الذنب ، وأمّا إذا كان النهي من قبيل النهي الإرشادي فحينئذٍ لا تكون نتيجة المخالفة إلّا حصول اللازم الطبيعي للعمل ولا يكون لها أثر آخر يوجب ارتكاب الذنب