فسرناها بالعوامل الغيبية غير المادية ، فعلى كلّ حال انّ هذه العوامل تُعدّ من ضمن مجموعة نظام الخلق وانّها كالعوامل الطبيعية من حيث النسبة والقياس لمعلولاتها.
وبعبارة أُخرى : انّ الأُمور الخارقة للعادة لا تخدش الحكم والقانون الكلّي ولا تخصّص القاعدة العقلية (بأنّ لكلّ معلول علّة) وأنّها لا تخطو ولو خطوة واحدة على خلاف قانون النظم ، غاية ما في الأمر انّ المعجزة والأُمور الخارقة للعادة توسع من مساحة العلل في عالم الوجود ، حيث إنّ السبب الذي دعا إلى ذلك التصوّر المذكور في متن السؤال هو حصر قانون العلّية بالعلل المادية المعروفة ، إلّا أنّ معاجز الأنبياء ردّت على ذلك التصوّر وأحكمت قانون العلّية ، إلّا أنّها وسّعت نطاق العلل بصورة أكبر حيث أخرجته عن الحدود المادية الضيّقة.
نعم لو كان الأنبياء حينما يأتون بالمعجزة يخلقون حالة من الفوضى واللانظام وينقضون قانون العليّة ، ففي هذه الصورة وبلا ريب يرد الإشكال المذكور وتُعدّ حينئذٍ المعجزات مخالفة لقانون العلّية وقانون النظم ، ولكن كما ذكرنا انّ مثل هذا التصوّر في خصوص معاجز الأنبياء والأُمور الخارقة للعادة لا يعدو كونه توهّماً ليس إلّا ، وانّ منشأ هذا التوهّم هو التفكير المادي الضيق الذي يحصر عالم الوجود في إطار المادة المحدودة فقط.
ثمّ إنّ معاجز الأنبياء لا أنّها لا تنافي إثبات وجود الخالق فقط ، بل أنّها ـ وبطريقة ما ـ تثبّت وتحكّم ذلك ، وفي الواقع أنّها نافذة على عالم الغيب ، وذلك لأنّ معنى الإعجاز هو أنّ هذا العالم يخضع لإرادة عقل كبير مهيمن ومحيط بجميع الأُمور بحيث متى شاء العدول من الطريقة الكلية السائدة يعدل