وفيما كان رجال الوفد يتحادثون في هذه الأُمور فإذا بالرسول الأكرم قد طلع عليهم هو والأغصان الأربعة من شجرته المباركة بوجوه روحانية نيّرة ، فاضطرب الوفد وأخذ ينظر بعضهم إلى بعض بتعجب ودهشة وحيرة ، وأخذوا يتساءلون بعضهم مع البعض الآخر كيف خرج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بابنته الوحيدة وأفلاذ كبده وكبدها المعصومين للمباهلة ، فأدركوا أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واثق من نفسه ودعوته وثوقاً عميقاً ومعتقد بذلك اعتقاداً راسخاً ، إذ انّ المتردّد غير الواثق بدعوته لا يجازف ولا يخاطر بأحبّائه وأعزّته ويعرضهم للبلاء السماوي.
ولهذا قال أسقف نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. (١)
انصراف وفد نجران عن المباهلة
لمّا رأى وفد نجران هذا الأمر ـ خروج النبي بتلك الصورة المهيبة ـ وسمعوا ما قاله أسقف نجران ، تشاوروا فيما بينهم ثمّ اتّفقوا على عدم مباهلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معلنين عن استعدادهم لدفع الجزية مهما كانت للنبي كلّ سنة لتقوم الحكومة الإسلامية في المقابل بالدفاع عن أنفسهم وأموالهم ، فقبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك وتقرر أن يتمتع نصارى نجران بسلسلةٍ من الحقوق في ظل الحكومة الإسلامية لقاء مبالغ ضئيلة يدفعونها سنوياً.
ثمّ قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أما والذي نفسي بيده لقد تدلّى العذاب على أهل نجران ، ولو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ، ولأُضرم الوادي عليهم ناراً ،
__________________
(١). بحار الأنوار : ٢١ / ٢٧٧ ؛ العمدة لابن الطريق : ١٨٩.