ثمّ إنّ التوحيد الأفعالي لا يعني إنكار العلل الطبيعية ، بل يعني الاعتراف بأنّ للعلل كالشمس والنار والسيف تمام المشاركة في ظهور آثارها ، وأنّ هذه الآثار هي من خواص هذه العلل ، ومع هذا الاعتراف لا بدّ من الإذعان بأنّه لا مؤثّر حقيقة في صفحة الوجود إلّا الله ، وأنّ تأثيره سبحانه على نحو الاستقلال وأمّا تأثير ما سواه من المؤثرات إنّما هو في ظل قدرته تعالى ، فمنه تكتسب الشمس القدرة على الإشراق والإضاءة ، ومنه تكتسب النار خاصية الإحراق والحرارة ، وأنّه تعالى هو الذي منح هذه العلل والأسباب هذه الخواص وأعطاها هذه الآثار كما منحها وجودها قبل ذلك.
الرابع : التوحيد في العبادة
يعني أنّ العبادة لا تكون إلّا لله وحده ، وأنّه لا يستحقّ أحدٌ أن يتخذ معبوداً مهما بلغ من الكمال والجلال وحاز من الشرف والعلاء ، ذلك لأنّ الخضوع العبودي أمام كلّ أحد لا يجوز إلّا لأحد سببين لا يتوفران إلّا في الله تعالى :
١. أن يبلغ المعبود حدّاً من الكمال يخلو معه عن أي عيب أو نقص ، فيستوجب ذلك الكمال أن يخضع له كلّ منصفٍ ويعبده كلّ من يعرف قيمة ذلك الكمال المطلق.
فمثلاً الشيء الذي يتحلّى بالوجود اللامتناهي الذي لا يشوبه عدم ، والعلم اللامحدود الذي لا يخالطه جهل ، والقدرة المطلقة التي لا يمازجها عجز ، والحياة والبصر والسمع اللامتناهي ، هذه الأُمور تدفع كلّ ذي وجدان سليم وضمير حي إلى التعظيم والخضوع لصاحبها وإظهار العبودية أمامه