وحده ، وانّه لا يحق لأحد أن يحكم العباد دونه ، وأنّه لا شرعية لحاكمية الآخرين إلّا إذا كانت مستمدة من الولاية والحاكمية الإلهية وقائمة بأمره تعالى ، وفي غير هذه الصورة لن يكون ذلك الحكم إلّا «حكماً طاغوتياً» لا يتّصف بالشرعية مطلقاً ولا يقرّه القرآن والشرع أبداً.
على أنّنا حينما نطرح هذا الكلام ونقول : بأنّ الحكم محض حقّ لله تعالى وأنّ الحاكمية منحصرة فيه دون سواه ، فليس يعني ذلك أنّ على الله أن يباشر هذه الحاكمية بنفسه ، ويحكم بين الناس ويدير شئون البلاد والعباد دون ما واسطة ، ليقال إنّ ذلك محال وغير ممكن ، أو يقال إنّ ذلك يشبه مقالة الخوارج إذ قالوا للإمام علي عليهالسلام رافضين حكمه وإمارته :
«إن الحكم إلّا لله ، لا لك يا علي ، ولا لأصحابك». (١)
بل مرادنا هو : أنّ حاكمية أي شخص يريد أن يحكم البلاد والعباد ، لا بدّ أن تستمد مشروعيتها من : «الإذن الإلهي» له بممارسة الحاكمية ، فما لم تكن مستندة إلى هذا الإذن لم تكن مشروعة ولم يكن لها أي وزن ، ولا أي قيمة مطلقاً.
ونفس هذا الكلام جار في مسألة الشفاعة أيضاً ، فعند ما يصرّح القرآن وبوضوح قائلاً : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً). (٢) لا يعني أنّه لا يشفع إلّا الله ، إذ لا معنى لأن يشفع الله لأحد ، بل المفاد والمراد من هذه الآية هو أنّه ليس لأحد أن يشفع إلّا بإذن الله ، وأنّه لا تنفع الشفاعة إذا لم تكن برضاه ومشيئته.
__________________
(١). كان هذا شعار الخوارج يرددونه في المسجد وغيره من الأمكنة.
(٢). الزمر : ٤٤.