ثمّ إنّ التدبّر في آيات الذكر الحكيم يتمّ بصورتين :
الأُولى : وهي أن يستعرض المفسّر أو المفكّر آيات السورة بصورة متسلسلة ويمعن النظر فيها ويكشف حقائقها ويصل إلى مرادها ، وهذا الأُسلوب هو الأُسلوب المتّبع قديماً حيث يفسّرون القرآن الكريم بصورة ترتيبية ، ولقد دوّنوا دورات تفسيرية كثيرة اعتماداً على هذا الأُسلوب.
الثانية : انّ القرآن الكريم تحدّث عن الكثير من الحقائق والموضوعات ، سواء ما كان يتعلّق بالآفاق أو الأنفس ، أو ما يتعلّق بالأُمور الفردية أو الاجتماعية ، أو الأُمور التشريعية والتكوينية ، وفي مناسبات مختلفة حيث نرى أنّه يعاود الحديث عن الموضوع في أكثر من آية وفي أكثر من سورة وفي كلّ مرّة يسلّط الضوء على جانب من جوانب ذلك الموضوع ، فقد تتوزع الآيات التي تتحدث عن موضوع محدد على أكثر من عشر سور من سور القرآن الكريم. وحينئذٍ فلو تصدى المفسّر ـ الذي يريد إدراك حقيقة ذلك الموضوع واكتشاف مكنونه ـ لجمع تلك الآيات المتفرقة ووضع بعضها إلى جنب البعض الآخر ودراستها دراسة متناسقة مترابطة ، لانفتحت أمامه آفاق كثيرة من العلم والمعرفة وانكشفت الحقيقة بأجلى صورها.
فعلى سبيل المثال هناك كم هائل من الآيات المباركة المتفرقة في السور القرآنية قد تحدّثت عن خلق الإنسان ، ولا ريب أنّ اكتشاف حقيقة الرؤية القرآنية ونيل النتيجة المتوخّاة يكمن في إطار جمع تلك الآيات على صعيد واحد ودراستها بصورة منظمة من خلال ضم بعضها إلى البعض الآخر ، وحينئذٍ ينكشف الغموض ويرتفع الإبهام وتتجلّى الحقيقة ويتضح الهدف والمراد النهائي من تلك الآيات بصورة مجتمعة.
وهذا هو المنهج والطريق الذي سلكناه منذ سنوات ، وكانت أوّل ثمار