ج : وحي الشريعة
إنّ الإنسان العادي قد يتوصّل إلى النتائج التي يتوخّاها من خلال الحسّ والتجربة ، أو إجالة الفكر والتدبّر والاستدلال ، ولكن ذلك لا يعني انحصار طرق المعرفة وسبلها بهذين الطريقين ، بل هناك طريق ثالث للمعرفة يفاض على النفس من العالم العلوي يكون الهدف منه هداية المجتمع الإنساني وسوقه إلى الكمال والرقي والتعالي ، وهذا ما يطلق عليه اسم «الوحي التشريعي».
والحقيقة أنّ هذا الوحي التشريعي لا يختلف من جهة الماهية والحقيقة عن القسمين السابقين ، نعم النكتة الكامنة في هذا القسم هي مسألة الهداية وإرشاد الناس إلى المبدأ والمعاد. وهذه الخصيصة أخذت باعتبارها قيداً لازماً لهذا النوع من الوحي حيث قال تعالى :
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).(١)
وعلى هذا الأساس فإنّ الأنبياء وإن كانوا يمتلكون وسائل المعرفة كالحس والعقل ولكن شريعتهم لا تكون نتاج تلك الوسائل المعرفية ، بل أنّها جميعاً تتعلّق بالعالم العلوي حيث ينزل الوحي على نفوسهم وأرواحهم وبأمر من الله سبحانه حاملاً رسالته وتشريعاته سبحانه ، ولذلك لا يخطئون أدنى خطأ في ضبط وحفظ وإبلاغ وبيان الأحكام الإلهية.
ولذلك فكلّ محاولة لتفسير ووضع حركة الأنبياء في إطار الهداية ، بأنّها وليدة الحس والعقل ، أو هي نتاج الاستعداد والنبوغ الذاتي للأنبياء ، لا تبعد ه عن كونها محاولة انحرافية يسير صاحبها في طريق أعوج ، ومن المستحيل أن توصله محاولته تلك إلى الهدف الذي يرومه ، والحقيقة أنّ السبب الذي دعا أصحاب هذا
__________________
(١). الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.