الرواية الثانية :
ما ورد عن منتخب البصائر عن المفضّل عن مولاي الإمام الصادق عليهالسلام قال : مثل روح المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به ، ثم قال : إن الأرواح لا تمازج البدن ولا تواكله (١) ، وإنما هي كلل للبدن محيطة به (٢).
فالحديث الشريف ينصّ على تجرّد الروح بقرينة قوله عليهالسلام : «وتمازج البدن» فلو كانت مادية لمازجته ممازجة المادة لمشابهها.
إشكال :
إنّ صدر الحديث يناقض ذيله باعتباره ينصّ على أنها داخل الجسد ؛ وذيله على أنّها محيطة به ، فما الجواب؟
أقول : حتى لو قلنا بأنها داخل الجسد ، فعند خروجها منه تبقى محيطة به إلى نزول القبر أما على القول بأنها محيطة بالبدن وخارجة عنه ، فعند الموت تترك تدبير البدن الذي يصدق معها أنها فيه لما يؤنسه أكثر الناس من أنّ الروح في البدن ، فتركها لتدبيره يعني تركها لما لها دخل فيه وفي حركته الطبيعية.
الرواية الثالثة :
ما أورده الصدوق (قدّس سره) عن مولى المؤمنين الصادق عليهالسلام قال :
إذا قبضت الروح فهي مظلّة فوق الجسد ينظر إلى كل شيء يصنع به فإذا كفّن ووضع على السرير ، وحمل على أعناق الرجال عادت الروح إليه فدخلت فيه ، فيمد له في بصره فينظر إلى موضعه من الجنة أو من النار ، فينادي بأعلى صوته إن كان من أهل الجنة : عجّلوني عجّلوني! وإن كان من أهل النار : ردّوني ردّوني! وهو يعلم كل شيء يصنع به ويسمع الكلام (٣).
أشار الحديث إلى تجرّد النفس بعد موت الجسد ، والمقصود من التجرّد كون الروح أو الأمر المجرّد مما لا يطرأ عليه التغيّر والدثور ، وليس المراد منه «التجرّد
__________________
(١) في نسخة البصائر : «تداخله».
(٢) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٤٠.
(٣) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٥٠.