العقلي أو البرزخي» ويقصد بهما التجرّد عن المادة وآثارها ، معنى ذلك أن للنفس باعتبار مراتبها تجرّدين :
تجرّد عقلي : وهو تجرّد النفس عن المادة وآثارها من الكم والكيف وهو حاصل للنفس عند إدراكها المفاهيم الكلية العقلية عن التصور والتصديق ، فهي في تلك المرتبة مجرّدة عن المادة (أي الثقل والجرم) وآثارها (أي الكم والكيف).
تجرّد برزخي : وهو تجرّد النفس عن نفس المادة دون آثارها وهو حاصل للنفس عند ما تدرك الصور ذات الأبعاد والألوان والكمية والكيفية الخاصة.
فالتجرّد بمعنى عدم الدثور والتلف وعدم ممازجة المادة وهو أعمّ من التجرّدين المتقدّمين.
الرواية الرابعة :
ما ورد في الأخبار المعتبرة القريبة من التواتر الدالّة على تقادم أو أسبقية خلق الأرواح على الأجساد وما ذكره صدر المتألهين من الأدلة (قدسسره) (على أنّ الأرواح حادثة بحدوث البدن ثم إنّ التجرّد حصل لها بعد حدوثها بالبدن) مدخول ومخدوش به ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها ؛ هذا مضافا إلى أنه لا يمكن التغاضي والتغافل عن النصوص القرآنية الدالة على أنه سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على بني آدم أن لا يعبدوا الشيطان ، ولا يخفى أن أخذ الميثاق عليهم إنما يكون على الأرواح لا على الأجساد من هذه الآيات قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس / ٦١) ، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (الروم / ٣١) (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس / ٢٣).
فعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وهو مع أصحابه فسلّم عليه ثم قال : أمّا والله أحبك وأتولاك ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام.
ما أنت كما قلت ، ويلك إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، عرض علينا المحبّ لنا ، فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه (١).
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ١٣٨.