«رجعتم من الجهاد الأصغر وعليكم بالجهاد الأكبر ، قيل وما هو يا رسول الله؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : جهاد النفس» ، وهي النفس الأمّارة ، فإذا قهرت الأمّارة تحت سطوة العقل العملي وانقادت تحت بوارق الأنوار الشرعية والرياضات النفسية تجلّت لها عوالم الغيب من وراء الحجب.
فالطريق المتعين للمعرفة الحضورية هي أن يصفّي القلب عن حطام الطبيعة وكل حجاب ، لأنّ الاشتغال بمشتهيات النفس وحطام هذا الأدنى يوجب مزيد التعلّق بالدنيا مما يوجب حبّها وتعلّق الهمة بها ، فيشغل ذلك حيّز القلب فلا تصفى مرآته لينعكس فيها جمال الحق المتعال لكي تحصل المعرفة المطلوبة ، لذا فالأمر يدور مدار تنقية القلب ، فمن رام طريقا غيره هلك ، من هنا اهتمّ بشأنه السفراء عليهم أفضل التحيات ومن بعدهم أهل الخير من العرفاء والصلحاء ، وذكروا طرقا تؤدّي إلى إحياء هذه الفطرة منها :
التوبة والمراقبة والمحاسبة ، والصمت ، والجوع ، والخلوة للعبادة والسهر في الطاعة كالتهجد والذكر والفكر ، كل ذلك مما يورث انقطاع النفس إلى باريها وتوجهها إلى محييها.
إلى هنا انتهينا من بيان الطريق الأول على إثبات وجوده تعالى ، أما الطريق الثاني فبما يلي.
الإدراك العقلي :
تكلمنا فيما سبق عن أهمية الإدراك الفطري المركوز في جبلّة كل إنسان ، هذا الإدراك يؤكّد بالعبادات المشروعة ، إذ كلما ازدادت النفس تزكية وصفاء كان هذا الإدراك فيها آكد وأتم ، وكلّما ازدادت فسقا وانحرافا كان هذه الإدراك فيها ضعيفا ، وربما أدّى إلى الانعدام نتيجة التوغل في الفسق والفجور ، وللرسل والأئمة عليهمالسلام سهم وافر في ازدياد هذا الإدراك وتقويته ، قال مولى الموحّدين : «واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ، لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقّه ، واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم وآجال تفنيهم وأوصاب تهرمهم