متعلقة بموجدها كتعلق الأضواء والشروق بذيها ، فهي منعدمة بانسداد روازنها ، بمعنى أن انسدادها يساوي إعدامها تماما كسدّ الروزن في الحيطان المانعة لدخول الشمس للغرفة ، فإنّ انسدادها يعني اعداما للشمس من الدخول إليها ، وهكذا فإنّ هذه الممكنات فقيرة بذاتها إلى من أعطاها الوجود فهي دائمة الارتباط به (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر / ١٦ /).
الثاني : برهان العلّة والمعلول :
مفاده : أنه من المعلوم أنّ الماهية في ذاتها ممكنة تستوي نسبتها كما تقدم إلى الوجود والعدم ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى مرجّح به يفيض الوجود أو يسلبه عنها ، فرجحان أحد الجانبين محتاج إلى غيره ، وكذا حاجة الماهية في رجحان عدمها محتاج إلى الغير ، وهذا الاحتياج نوع تجوّز ومسامحة أي أنّ عدم الماهية يحتاج في عدم تحققه إلى العلة مسامحة في التعبير ، وذلك لأنّ عدم الممكن يكفيه عدم علة الوجود ، فالوجود هو المحتاج إلى العلة ، وأما العدم فيكفيه عدم علة الوجود.
وبعبارة أخرى : [علة العدم هي علة عدم الوجود] وهذه العلّة التي تفيض الوجود على الماهية دائما تكون أمرا وجوديا ، فالعدم لا علة له لأن العدم لا شيئية له ، فهو بطلان محض فلا يكون علة.
وهنا لا شك في أن الموجودات الخارجية كلها معاليل للعلة الموجدة المطلقة ، وهذه الماهيات بدورها محتاجة إلى العلّة لأنّ ممكن الوجود لا يوجد بذاته لفقران ذاته واحتياجها ، وفاقد الوجود كيف يمكنه أن يخلق الوجود ، «فاقد الشيء لا يعطيه» ، فلا بدّ أن يكون وجوده منوطا بتحقق موجود آخر هو علة له لا تتصف بصفات الإمكان وإلّا لاحتاجت إلى من يوجدها ، فثبت أنّ العلة الأولى أو المطلقة التي أوجدت هذه الماهيات لا علة لها لأنه لو فرضنا وجود علة لها لجوّزنا العدم عليها ، لأنه قبل إفاضة العلة الثانية الحياة عليها كانت العلة المفاضة معدومة ، فلا بدّ أن تكون العلة المطلقة مفيضة لا مفاضة.
إضافة إلى خلوّ المعاليل [الموجودات] من صفات الواجب ومنها أنه لا يشوبه نقص وعدم وتركيب عقلي أو خارجي ، وغير متقيّد بقيد أو محدود بحدّ بل هو عين الكمال والوجود وبسيط الحقيقة من جميع الجهات ؛ وهذه الصفات المذكورة لم تتصف بها المخلوقات الخارجية لمحدوديتها وتركيبها وتقيدها