وخالقها المدبّر العظيم فكيف يكون مثلها؟!
الأمر الثالث : في استحالة رؤيته تعالى بالبصر :
اجمع الإمامية أعزّهم الباري وتبعهم المعتزلة على امتناع رؤيته تعالى بالبصر في الدارين ، وأنه من المحالات العقلية ، وخالفهم في ذلك المجسّمة من الأشاعرة والكرّامية (١) ، فجوّزوا رؤيته عزوجل لاعتقادهم أنه تعالى جسم ، والأشاعرة يعتبرون أنفسهم من أهل التنزيه له عزّ اسمه إلّا أنهم يعتقدون رؤيته تعالى يوم القيامة وأنه ينكشف إليهم كانكشاف القمر ليلة البدر ، لكن هذا عين التناقض لأنّ نفيهم للتجسم وإثباتهم للرؤية يعدّ تناقضا لأنّ إثبات الرؤية هو بنفسه إثبات للتجسم وكلاهما من آثار الإمكان والجسمانية المنزّه عنها الباري عزوجل.
ولا بدّ هنا من البحث في نقطتين :
الأولى : أدلة العدلية (٢) على امتناع رؤيته تعالى بالبصر.
الثانية : أدلة الأشاعرة على جواز الرؤية يوم القيامة.
أما النقطة الأولى :
استدلّ الإمامية «رضوان الله تعالى عليهم» على امتناع الرؤية البصرية دون القلبيّة بأدلة عقلية ونقلية.
أمّا البراهين العقلية : بوجوه عدّة منها :
البرهان الأول :
إن الرؤية المدّعاة لا تخلو من أمرين :
إما حقيقية : بمعنى الإدراك الحسّي.
وإما مجازية : بمعنى الإدراك العلمي التام أو الكشف الشهودي القلبي.
فإن كانت الأولى : فإنها مستحيلة عليه تعالى وخلاف المتبادر من لفظ الرؤية عرفا ، لأنّ ذلك الإدراك مستلزم لإثبات الجهة له تعالى فيكون جسما وهو باطل بالضرورة ، فالقول برؤيته بالبصر حينئذ محال.
__________________
(١) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرّام. لاحظ الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ١٠٨.
(٢) العدلية مصطلح أطلق على الإمامية لتنزيههم الباري عزوجل في مقابل غيرهم ممن نسب إليه ما لا يليق بشأنه كما سوف ترى.