أما البراهين النقلية : وهي صنفان :
الأول : الكتاب العزيز.
الثاني : أخبار السنّة المطهّرة.
فمن الكتاب العزيز آيات عدّة :
الآية الأولى :
قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام / ١٠٤).
الآية في مقام مدح الله عزوجل نفسه بنفي إدراك الأبصار له ورؤيته للأبصار ، فيكون إثباته له يعدّ نقصا ، بمعنى أننا لو قلنا بجواز الرؤية البصرية له تعالى لكنا أثبتنا صفة نقص له تعالى.
ووجه الاستدلال بالآية المباركة :
أنه سبحانه لا تراه العيون لأنّ الإدراك متى قرن بالبصر لم يفهم منه إلّا الرؤية كما أنه إذا قرن بآلة السمع ، فقيل أدركت بأذني ، لم يفهم منه إلّا السماع وكذلك إذا أضيف إلى كل واحد من الحواس أفاد أن تلك الحاسة آلة فيه ، فقولهم أدركته بفمي معناه وجدت طعمه ، وأدركته بأنفي معناه وجدت رائحته ، فمعنى أنه سبحانه يرى ولا يرى باعتبار أن الموجودات منها ما يرى ويرى كالأحياء ومنها ما يرى ولا يرى كالجمادات والأعراض المدركة ومنها ما لا يرى ولا يرى كالأعراض غير المدركة ، فالله سبحانه خالف جميعها وتفرّد بأنه يرى ولا يرى وتمدح في الآية بمجموع الأمرين كما تمدّح في آية أخرى بقوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (١).
فسلب الإدراك البصري من صفات الجلال ، وكلّما كان سلبه كذلك كان ثبوته من شخص ما في وقت ما نقصا في حقه تعالى ، فينتج أن ثبوت الإدراك البصري نقص في حقه تعالى.
الآية الثانية :
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٤ ص ٣٤٤ والتبيان للطوسي ج ٤ ص ٢٢٤.