جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف / ١٤٤).
الشاهد في الآية : قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) حيث إنّ أداة «لن» تفيد النفي الأبدي كما صرّح ذلك علماء اللغة ، واتفق عليه كلام العرب ، فلو كان سبحانه ممكن الرؤية بحاسة البصر لكان الأنبياء والأولياء أولى الناس برؤيته ، وحيث إن موسى عليهالسلام لم يره ببصره فلا يراه غيره بطريق أولى ، فثبت أنه تعالى ليس مرئيا بالبصر.
وأيضا فإن «لن» عند إطلاقها تفيد النفي الأبدي وإلّا لكان سبحانه قيّده بقيد في الدنيا ، فعدم تقييده بقيد يبقى الإطلاق على شموله فيثبت بذلك عدم إمكان رؤيته في الدارين.
وسيوافيك بإذن الله التفصيل عند البحث في أدلّة المجوّزين.
الآية الثانية :
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (البقرة / ٥٦).
الآية المباركة في تعداد مساوئ بني إسرائيل على مرّ العصور ، فقد طلبوا من النبي موسى عليهالسلام لمّا جاءهم بالتوراة أن يريهم الله تعالى جهرة اعتقادا منهم أنه عزوجل جسما يرى بالعين المجردة ، وهذا يذكّرنا بالمادية الحديثة التي لا تؤمن بموجود لا تراه العيون وتلمسه أيدي التجربة ، فكان عاقبة الأوائل ثم الأواخر «إن شاء الله تعالى» أن أخذهم وسيأخذهم بعذاب الهون في الآخرة ، وبصاعقة أحرقتهم عن آخرهم ، ولو كان التماسهم الرؤية البصرية أمرا ممكنا لم يكن بسؤالهم بأس ، فإما أن تجاب دعوتهم أو تردّ ، ولا يصح إحراقهم بالصاعقة.
وللآية نظير كما في قوله تعالى :
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (النساء / ١٥٤).
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (الفرقان / ٢٢).
فلو كانت الرؤية جائزة كما يتوهم الأشاعرة لم يكن التماسها عتوّا لأنّ من