المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حدّ الإخلاص والاتحاد المحض ، وحكى عن الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوّز الرؤية في دار الدنيا وأن يزوره ويزورهم وحكى عن داود الجواربي أنه قال :
أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلك» (١).
إلى غير ذلك من المنكرات التي تشمئز منها النفوس وتتكهرب لها العقول ، آخذين بظواهر النصوص من دون رجوع إلى أحكام العقول ، ولو قالوا : إننا أردنا المجاز بهذا الكلام؟
قيل لهم : عليكم أن تأتوا بقرائن تبيّن المراد وتجلي غوامض الأسرار ، وإلّا فعند الإطلاق فلا يحمل الكلام إلّا على المتعارف من الأجسام.
عود على بدء :
وأما المجوّزون للرؤية البصرية فقد استدلّوا على ذلك بدليلي العقل والنقل.
أما العقل :
فبدعوى أنّ الجوهر والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية ، وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة ، ولا مشترك بينهما إلّا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا يصلح للعليّة لأنه مركّب من قيد عدمي فيكون عدميا ، فلم يبق إلّا الوجود ، فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالى موجود (٢).
وبعبارة : إن ملاك الرؤية والمصحّح لها أمر مشترك بين الواجب والممكن وبين الجوهر والعرض ، وحيث إنه لا إشكال في إمكان رؤية الجواهر والأعراض لاشتراكهما في الرؤية بسبب وجود علة واحدة مشتركة من أجلها أمكن الرؤية ، لأنّ وحدة الرؤية دليل على وحدة سببها ، مثاله : زيد وعمرو جوهران يتميزان عن بعضهما البعض بلونين مختلفين يعرضان عليهما كالسواد والبياض ، فيجوز رؤيتهما معا لوحدة الرؤية التي هي دليل على وحدة السبب ، ووحدة السبب لا تخلو من احتمالين :
__________________
(١) الملل والنحل : ج ١ ص ١٠٥.
(٢) كشف المراد : ٣٢٣ ، والمحصّل : ص ٣١٧ ط طهران.