١ ـ قوله تعالى حاكيا عن موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (الأعراف / ١٤٤).
وجه الاستدلال :
إنّه لو كانت الرؤية ممتنعة عليه تعالى لما سألها النبي موسى عليهالسلام ، وبما أنه سألها فلا تمتنع ، لأنه إما يعلم بامتناع الرؤية أو يجهله ، فإن علم امتناعها فالعاقل لا يطلب المحال ، وإن جهله فهو قبيح في حقه لمقام نبوته.
يلاحظ عليه :
أولا : لا يشك ذو مسكة أنّ الرؤية أو الإبصار يحتاج إلى عمل طبيعي في جهاز الباصرة ، يهيئ للباصر صورة مماثلة لصورة الجسم المبصر في شكله ولونه مما يعني كون الباصر والمبصر ماديين ، وهذا خلف كونه تعالى لا يماثله شيء بوجه من الوجوه ، فهو ليس بجسم ولا جسماني ولا يحيط به مكان ولا زمان ولا تحويه جهة ولا توجد صورة مماثلة أو مشابهة له في الخارج أو الذهن البتة.
فما طلبه النبي موسى عليهالسلام ليس المراد منه تقليب الحدقة نحو المطلوب لأن ذلك إنما يكون نحو ذي الجهة ؛ فلو سأله موسى لكان قد أثبت لله جهة وهو منزّه عنها لضرورة العقل.
ثانيا : إننا لا نسلّم أن موسى عليهالسلام سأل الرؤية لنفسه بل سألها لقومه ليبكّتهم حينما طلبوا منه الرؤية البصرية حيث قالوا له : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ...) (النساء / ١٥٤).
وفي آية أخرى قالوا :
(... لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (البقرة / ٥٦).
__________________
ـ قومه عند ما طلبوا الرؤية البصرية وكان من القبيح عليه تعالى أن يعاقبهم على ذلك وأن يستنكر عليهم عند ما قال : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (النساء / ١٥٤) فالآية واضحة الدلالة على أن قوم موسى هم الذين طلبوا الرؤية وليس موسى كما يدّعي السيد المذكور. هذا مضافا إلى أنّ مسألة استحالة رؤيته تعالى ليست بحاجة الى ورود أدلة نقلية ، لكون المسألة من لوازم احكام العقل القاضي بالاستحالة ، وسوف نتعرّض لشبهته ونرد عليها في الصفحات القادمة فلاحظ.