شبهة وحل :
طرأ على بعضهم شبهة مفادها : إنّ موسى عليهالسلام لم يكن يعرف أنّ الله لا يرى بالبصر حتّى عرّفه الله تعالى ذلك ، لأنّ الله سبحانه أراد أن يدخله في التجربة الحيّة ، فقال : (إن الله سبحانه كان يعرّف أنبياءه أصول العقيدة وصفاته تعالى بشكل تدريجي (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) ولذلك فإن الله تعالى لم يعرّف موسى عليهالسلام حتى ذلك الوقت أنه لا يرى ولذلك أراد سبحانه أن يدخل موسى في التجربة الحية ولذلك (قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) وعندها عرف عليهالسلام أنه لا يرى. هذا تفسير وهذا لا ينافي عصمة وكمال النبي ...) (١).
وقال في موضع آخر :
(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ...) ووصل موسى إلى الموعد الذي أعطاه الله له ... وكلّمه ربّه ... واندمج موسى في الجوّ الإلهي ... ففاضت روحه بالأشواق الروحية فيما توحيه كلمات الله إليه ... وفيما تمثّله من معاني القرب من الله ... فطلب من ربه أن ينظر إليه فقال ربّ أرني أنظر إليك ، فقد خيّل إليه أن من يسمع كلام الله يستحقّ أنّ يراه أو يمكن له أن يطلب رؤيته ... وهنا يقف المفسّرون وقفة حيرة فلسفية كلامية ... فكيف يمكن لهذا النبي العظيم أن يطلب مثل هذا الطلب المستحيل من ربّه ... وهو يعرف من خلال سموّ درجته ، ورفعة منزلته في عالم المعرفة بالله ... أنّ الله ليس جسدا ماديا محسوسا لتمكن رؤيته ... فهو ليس كمثله شيء ... وأجاب بعضهم أنّ المراد بالنظر ... الرؤية القلبية التي كان كناية عن العلم الواسع بالحقيقة الإلهية ... وأجاب آخرون ... بأنه لم يسأل انطلاقا من قناعة بالسؤال ، أو انسجام معه ... بل كان سؤاله استجابة لسؤال قومه الذين رافقوه إلى الموعد الإلهي ... فأراد أن يجعلهم وجها لوجه أمام الجواب الصاعق على هذا السؤال ... ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال ... فقد لا نجد من البعيد في مجال التصوّر والاحتمال أن لا يكون قد مرّ في خاطر موسى مثل هذا التصوّر التفصيلي للذات الإلهية ... لأنّ
__________________
(١) نشرة البيّنات الصادرة بتاريخ ١٣ شوال ١٤١٧ ه ـ الموافق ٢١ شباط ١٩٩٧ م.