هاتان الآيتان المباركتان من أهم ما استدلّ به الأشاعرة على جواز الرؤية البصرية ، وهناك آيات أخر لم نستعرضها خوف الإطالة ، فيرجع في تأويلها إلى ما يناسب الأصول الاعتقادية والتوحيدية للباري عزّ ذكره وتبارك شأنه وجلّ كبرياؤه.
يبقى أن نستعرض ما قاله علماء العامة الذين أجازوا الرؤية بحاسة سادسة بصرية غير الحاسة المعروفة لدينا.
أقوال علماء العامة :
قال الفخر الرازي :
«احتج أصحابنا بهذه الآية (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ...) على أنه تعالى تجوز رؤيته ، وأن المؤمنين يرونه يوم القيامة ... ثم قال :
وفي التمسّك بهذه الآية ما نقل أن ضرار بن عمرو الكوفي كان يقول : إنّ الله تعالى لا يرى بالعين ، وإنما يرى بحاسة سادسة يخلقها الله تعالى يوم القيامة لما دلّت عليه هذه الآية (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ...) على تخصيص نفي إدراك الله بالبصر ، وتخصيص الحكم بالشيء يدل على أن الحال في غيره بخلافه ، فوجب أن يكون إدراك الله بغير البصر جائزا ، ولمّا ثبت أنّ سائر الحواس الموجودة الآن لا تصلح لذلك ، ثبت أن الله تعالى يخلق حاسة سادسة بها تحصل رؤية الله تعالى وإدراكه ..» (١).
يرد عليه :
أولا : إنّ محور الخلاف بين السنّة والشيعة يتركّز على الرؤية البصرية ، فتفسير الرازي لها بالحاسة السادسة خروج عن محور البحث ، ورجم بالغيب وظن ، وإنّ الظن لا يغني عن الحق شيئا.
ثانيا : إنّ إثبات الرؤية بالحاسة السادسة لا يخلو من أمرين :
إمّا حسية أو غير حسيّة.
فإن كانت حسّية فهي لا تتعلّق إلّا بالمادة والماديات ، والقدير سبحانه فوقها.
وإن كانت غير حسّية فلا تخرج عن كونها عقلية أو معنوية ، فثبت المطلوب وهو كون رؤيته تعالى بالبصيرة العقلية أو الروحية.
__________________
(١) تفسير الرازي : ج ١٣ ص ١٢٥ ـ ١٢٦ ذيل الآية المباركة.