الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور وإقامة المآتم وتشييع الجنائز وزيارة الإخوان.
أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية ، فذلك يثبت في علم الفقه ، وليس هنا موضع إثباته.
والغرض إن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض ، وليس المقصود منها عبادة الأئمة ، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم ، وتجديد ذكرهم وتعظيم شعائر الله فيهم (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها ، فإذا جاء الإنسان متقرّبا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته استحقّ الثواب منه ونال جزاءه.
* * *
أقول : التوحيد يعني عبادة الإله الواحد مع تنزيهه سبحانه من الشريك ، وهو من أهم الصفات التي يتحلّى بها الخالق العظيم.
و «التوحيد» مصدر منه «الواحد» و «الواحدة» وهو من المفاهيم البديهية التي لا تحتاج إلى معرّف يدلّ عليها ، فعند الإطلاق لا يتبادر منها إلّا كونه سبحانه واحدا في هذه الصفة لا يشاركه فيها غيره ، تماما كصفة الألوهية لا يشاركه أحد فيها لأنّ ما دونه ممكن ، ورشح من فيض جوده جلّ وعلا.
وكونه تعالى واحدا أحدا من أقدم المسائل الفكرية التي هي وليدة الفطرة الإنسانية ، ومن أهمها بحثا بين متفكري النوع البشري ، وكل الأطروحات (التي لم تبتن على أسس فلسفية دينية صحيحة) قد دعّمت ركائز سلطتها على أسس توحيد الصانع ، ولا يخفى على من له إلمام بتاريخ الشعوب ما فعله أصحاب الديانة الوثنية المبنيّة على الشرك بإثبات الشفعاء عنده عزوجل ليقرّبوهم إليه تعالى زلفى (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).
لذا لأهميتها انقسم البشر إلى أديان متعددة يلعن اللاحق منها السابق ، ولعلّ سرّ هذا الانقسام يكمن في الاختلاف في مفهوم العبادة لا التوحيد كما صوّره بعض الفضلاء في بعض تصانيفه ؛ والدليل فيما ذكرنا :
أولا : حكم الفطرة الداعي إلى توحيد الإله الواحد غير المحدود العظمة