فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : دعوه ، فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال عليهالسلام شارحا ما سأل عنه الأعرابي فقال :
«وقول القائل واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة ، ثم قال : معنى واحد أنه ليس له في الأشياء شبه كذلك ربّنا ، وقول القائل إنه عزوجل أحديّ المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربّنا عزوجل» (١).
وأمّا الوحدة الشخصية الحقيقية : هي عبارة عن وجود خارجي لا ثاني له لا يقبل الاثنينيّة والتكثر والتكرر ، لأن كل هذه القيود صفة للكثرة المنزّه عنها الباري عزوجل لأنه صرف الوجود وصرف الكمال فلا يتميّز ولا يتشخّص بالأشكال والإشارات ، ولأنّ القيود نوع تكثّر في الذات مما يؤدّي إلى احتياج الذات وافتقارها إلى ذاك الشيء الخارجي عنها والمغاير لها ، باعتبار كون الكثرة رهن دخول شيء مغاير للدخول في حقيقته ، مثاله :
البياض بما هو بياض ، لا يتصور له الاثنينية إلّا إذا دخل فيه شيء غيره كتعدد المحل فيتعدد البياض ، ولو لا ذلك لصار البياض صرف الشيء وهو غير قابل للكثرة.
والفرق بين التوحيد الواحدي والآحدي :
أنّ الأول : يراد منه نفي الشبيه له والمثيل والنظير فهو واحد لا ثاني له أبدا.
أما الثاني : فيراد منه نفي التركيب الذهني أو الخارجي فهو بسيط من كل الجهات لأنه لو كان مركّبا من أجزاء (سواء أكانت عقلية وبحسب المفهوم العقلي أم خارجية بحسب التحقق الخارجي) لكان مفتقرا إلى أجزائه ، والمفتقر ممكن محتاج إلى غيره ، والذات الإلهية منزّهة عن ذلك.
وبهذين الفرقين يمكن استنباط دليلين على الوحدانية :
١ ـ إن التعددية الذاتية تستلزم التركيب.
٢ ـ إن الوجود المطلق اللامحدود لا يقبل التعدد.
__________________
(١) التوحيد : ص ٨٣.