من خلال ما قدّمنا تعرف أنّ السجود للغير بما هو هو مع قطع النظر عن الدوافع لا يعدّ عبادة لغيره تعالى.
ومن هنا نستنتج أن مفهوم العبادة متقوّم بأمرين :
الأول : الخضوع والتذلّل.
الثاني : الاعتقاد بكون المعبود خالقا ومربيا له.
فلو تحقق الأول دون الآخر فلا يصدق عليه لغة وعرفا أنه عبادة ومن هذا المنطلق ما يفعله الأطهار من الشيعة حينما يسجدون مقبّلين عتبات ضرائح الأئمة عليهمالسلام ؛ فسجودهم تخضّعا وتذلّلا لا اعتقادا بكونهم أربابا من دون الله تعالى.
النقطة الثانية : عبادة المشركين :
إن المتصفح لعقائد المشركين في العصر الجاهلي يرى بوضوح عدة مشارب لعبادتهم لغير الله تعالى ، فكانوا ينقسمون إلى أصناف متعددة هي :
الصنف الأول :
منكرون للخالق العظيم والبعث ، وهؤلاء كانوا يعتقدون بأصالة المادة ، وأن المحيي هو الطبائع ، والمفني هو الدهر ، وقد أخبر عنهم الباري عزوجل في كتابه قال :
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية / ٢٥).
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس / ٧٩).
فهذا الصنف منكر لبعث الأجسام مستبعدين ذلك على القدرة الإلهية المطلقة فردّ عليهم سبحانه بقوله تعالى :
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) وبقوله : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق / ١٦).
هذا الصنف خارج عن محل البحث ، لأنّ موضوع هذه النقطة إنما هو عبادة المشركين الذين يعترفون بوجود إله لهذا الكون.
الصنف الثاني :
جماعة مقرّون بوجود خالق للكون ، لكنهم منكرون للرسل مع عبادتهم