يُؤْفَكُونَ) (المائدة / ٧٦).
فمفاد الآيات : استنكاره تعالى على النصارى المعتقدين بأن المسيح إله أو تجسّد فيه الإله ، فعيسى عليهالسلام كبقية الرّسل الذين توفّاهم الله تعالى ممن سبقوه بالدعوة كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون الله سبحانه ، وكذلك أمّه مريم كانت صديقة تصدّق بآيات الله وهي بشر ، وقد كان عيسى وأمّه يأكلان الطعام ، وأكل الطعام مع ما يتعقّبه مبني على أساس الحاجة التي هي أول أمارة من أمارات الإمكان والمصنوعية ، فقد كان عيسى عليهالسلام ممكنا متولّدا من ممكن ، وعبدا ورسولا مخلوقا من أمّه ، كانا يعبدان الله ، وهما ممكنان يفتقران دائما إليه تعالى.
إذن فإجماع النصارى قائم على تأليه عيسى عليهالسلام اعتقادا منهم أن الله تعالى تجسّد فيه ، فكانوا يعبدونه ليوصلهم إليه تعالى أو يعبدون الإله المتجسّد بعيسى عليهالسلام.
وقد شجب القرآن المجيد عبدة الأصنام بشتّى أصنافها لاتخاذهم إياها معبودا دونه تعالى ، أو بعبارة اعتبارهم الهة صغارا توصلهم إلى الإله الأكبر ، فكانوا ينسبون إليه النفع والضّر ، والرضا والسخط ، والسعة والجدب ، والخير والشرّ وما أشبه ذلك ، فكانت هذه الآلهة بنظرهم مفوضا إليها جوانب من تدبير الكون وشئون الدنيا والآخرة.
من الآيات الشاجبة لهم قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) (الرعد / ١٥).
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) (الأعراف / ١٩٨).
(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) (يونس / ١٠٧).
فالشجب الإلهي منصبّ على من اتخذها آلهة صغارا تدير الكون بزعمهم وتامة الاختيار مفوّض إليها الأمر في حين أنها لا تملك من أمرها شيئا ولا تدفع عن نفسها ضرّا.
قد يتساءل المرء عن الدوافع التي أدّت لشركهم.
والجواب : أن الدوافع كثيرة أهمها :
الدافع الأول : الاعتقاد بتعدد الخالق.