الدافع الثالث : استحالة رؤية الخالق العظيم.
حيث كان المشركون يعبدون تلك الأصنام تصورا منهم أنّ الإله لا يمكن رؤيته ـ وهو تصوّر صحيح عند أرباب العقول السليمة ـ فابتدعوا له صورا وأشكالا وهميّة ، ونحتوا على غرارها تماثيل وأصناما يعبدونها إرضاء لتوهماتهم وخيالاتهم الفاسدة ، فلوّثوا حكم العقل السليم بأوساخ الغفلة والشيطنة ، فانحرفوا عن الجادة الوسطى لا يلوون على شيء.
الدافع الرابع : التفويض إلى الأصنام.
كانوا يعبدونها باعتبار أنها محل الفيض والتقدير والتدبير والقدرة ؛ وقد أنكر عليهم الباري سبحانه هذه الفكرة بقوله تعالى :
(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (الأعراف / ٥٥).
(وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس / ٣٢).
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (يونس / ٤).
هذه الآيات تربط مصير الكون بيده تعالى ، ولكن لا يعني هذا أن تلك الأمور لا يمكن أن يعطيها أو يهبها لبعض عباده الصالحين ، فلا توجد استحالة عقلية في ذلك ، بل العكس حيث يؤيد دليل العقل بالنقل كما ثبت أنه سبحانه فوّض لبعض ملائكته الكرام أمر تدبير الرزق والكون لهم ، فمنهم المقسّمون للأمر والجارون لليسر الحاملون للوقر ، الذارون للرياح (١) ، فقدرتهم في طول قدرة الله تعالى فهم وسطاء في إيصال الخيرات إلى العباد ، فهذه المنحة والهبة أعطاها لبعض عباده تماما كمسألة الخالقية والمدبرية هي من مختصات المولى أصالة لكنه أباحها لبعض الكاملين كما ورد في شأن إبراهيم عليهالسلام عند ما أحيى الطير ، وعيسى عليهالسلام عند ما خلق من الطين كهيئة الطير ، كل ذلك بإذن الله تعالى ، وكذا نبيّنا وأئمتنا (٢) عند ما أحيوا بعض العباد بإذن الله تعالى ، وكحق الشفاعة المختص به تعالى كما في قوله :
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر / ٤٥).
__________________
(١) لاحظ سورة الذاريات والنازعات.
(٢) لاحظ مدينة المعاجز للبحراني. وإثبات الهداة للعاملي.