منزّه عنهما لأنه عزّ شأنه محض الخير والكمال ، فصفة السلب حينما ترجع إلى الصفات الثبوتية فرجوعها في الواقع إلى الذات المقدّسة «لأنّ سلب السلب هو إيجاب الكمال ، إذ لا سبيل للسلب المحض أن يتطرق ساحته عزوجل ، فالسلب لا بدّ أن يكون إضافيا ، ومرجع السلب الإضافي يعود إلى نفي النقائص ، وهي أمور وجودية مشوبة بحدود عدمية ، وسلب الحدود العدمية يرجع إلى إثبات الإطلاق الوجودي وهو عين الكمال» (١).
عود على بدء :
لنرجع إلى ما كنّا بصدده وهو إثبات الأمر الأول أي الصفات الثبوتية.
الغاية من معرفة الصفات :
الهدف من معرفتها هو التدليل على الذات المقدّسة ، لأنّ صفاته عين ذاته فهو عالم من حيث إنه حي ، وحي من حيث إنه عالم ، وقدير من حيث إنه حكيم وبالعكس ، وهكذا بقية الصفات فهي تنوب مناب الذاب في معرفتها لكن ليس كما يقول المعتزلة وإنما نيابتها عن الذات من حيث عدم إحاطة المخلوق للذات المقدّسة إذ أنّى للممكن أن يحيط بكنه الواجب عزوجل.
إذن فالعلم ذاته ولا معلوم ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلا يكون العلم والقدرة ذاتيين للمولى سبحانه مع تمايز مفهوميهما بحدود معيّنة ، والمفروض كون ذلك العلم والقدرة كلاهما حقيقة واحدة تعبّر عن حقيقة واحدة هي الذات الإلهية ، هذه الذات هي مصداق بسيط للمفاهيم المتعددة المنتزعة عقلا من ذاك البسيط ، فليس لتلك المفاهيم أو الأسماء مصاديق مستقلة كل واحدة عن الأخرى كما يقول الأشاعرة فوقعوا في محذور تعدد القدماء.
وقد أوضح القرآن تلك الحقيقة الواحدة البسيطة المنتزع منها مفاهيم متعددة مترابطة بقوله تعالى :
(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).
فالأسماء صفات تعكس عن الذات الواحدة وتعبّر عنها بأوجه متعددة ، ومع هذا فليس هناك ذات منفصلة عن الصفة كما هو المتعارف عند الممكنات ، حيث إن الاسم يختلف عن الصفة ، فالاسم غير المسمى لأننا بالوجدان نميّز بين الاسم
__________________
(١) بداية المعارف : ج ١ ص ٨٦.