أوفى بكل كمال غير مكثر لئلا يقصر معطي الكمال عنه ـ فكان الواجب عالما ، وعلمه غير زائد عليه» (١).
وبعبارة أخرى : إن واهب العلم والقدرة والحياة لمطلق موجود تعدّ صفات كمالية لذاك الموجود بما هو موجود لا بدّ أن يكون متحليا بها ، لأنّ الصفة الكمالية إذا وجدت في المعلول يستدعي ذلك لزوم وجودها في العلة على وجه أشرف وأعلى وبطريق أولى.
ثانيا :
ثبت أن كل ذات مستقلة الوجود مجرّدة عمّا يلابسها فهي حاصلة لذاتها فتكون معقولة لذاتها ، وعقلها لذاتها هو وجود ذاتها لا غير ، وهذا الحصول أو الحضور لا يستدعي تغايرا بين الحاصل والمحصول له ، والحاضر والذي حضر عنده ، فكل ما هو أقوى وجودا وأشدّ تحصيلا وأرفع ذاتا من النقائص والقصورات فيكون أتم عقلا ومعقولا وأشدّ عاقلية لذاته ، فواجب الوجود لمّا كان مبدأ سلسلة الوجودات المترتبة في الشدّة والضعف والشرف والخسة من العقليات والحسّيات والمبدعات والمكونات فيكون في أعلى مراتب شدة الوجود وتجرّده ، ويكون غير متناه في كمال شدته ، فعلم الموجود الحق بذاته أتم العلوم وأشدها نورية وجلاء وظهورا بل لا نسبة لعلمه بذاته إلى علوم ما سواه بذواتها ، كما لا نسبة بين وجوده ووجودات الأشياء ، فكما أن علم الموجودات متحققة لديه كذا علمه تعالى بذاته متحقق لديه بالأولوية.
ثالثا :
إن علم الباري بذاته يعتبر مفهوما من المفاهيم التي يصح أن تعلم وكلما يصح أن يعلم يجب أن يكون معلوما له تعالى ، فذاته تعالى معلومة فثبت المطلوب.
المرتبة الثانية :
لا شك أن الباري عزوجل كان يعلم بالأشياء قبل أن يوجدها لأن الإيجاد فرع العلم ، وهذه المسألة مما اهتم بها الفلاسفة واستدلوا على بداهتها بما يلي :
__________________
(١) الأسفار : مج ٨ ص ١٧٦