الدليل الثالث :
لو حصل له سبحانه العلم بعد الإيجاد لكان جاهلا قبله ، فتخلو ذاته عن العلم ، والخلوّ علامة النقص والإمكان وهو منزّه عنهما ؛ إضافة إلى تغيّر الذات حيث كان جاهلا ثم صار عالما ، والتغيّر علامة الإمكان والفقر وهو تعالى منزّه أيضا عنهما.
الدليل الرابع :
لو علم بعد الإيجاد لزم كونه جاهلا قبله ، فتكون الذات قد توقفت بعد العلم على الغير فلا تكون ذاته عينه فيبطل كونه واجب الوجود لاحتياج الذات ـ بحسب الفرض ـ إلى الغير وهو باطل بالضرورة.
الدليل الخامس :
أنه تعالى فعل الأشياء المحكمة البديعة والمتقنة التي تذهل العقول لها ، وكل من كان على هذه الصفة فهو عالم به قبل إيجاده له ، فالبنّاء قبل أن يبني المنزل كان على علم بالكيفية التي سيكون عليها ذلك المنزل ، وهكذا خالق الأرض والسماء هل يعقل أن يبنيهما وهو جاهل بهما قبل البناء؟! وهل يصح بحكمة العقول أن يقال : إن غير الحكيم يصدر منه الحكمة والعلم والإتقان؟!! ما لهم كيف يحكمون!
المرتبة الثالثة :
بعد التدبّر بالمرتبتين السابقتين والبرهنة عليهما ، يسهل الأمر في هذه المرتبة ومع هذا يستدلّ عليها :
أولا :
وجود العلم عند المخلوقات دليل على وجوده عند الخالق بأكمل مراتبه وأظهر مصاديقه ، وكما يعبّر الفلاسفة : بأن وجود العلم عند المعلول يقتضي وجوده بطريق أولى عند العلة.
ثانيا :
حيث ثبت أنه فعل الأشياء المحكمة المتقنة كما هو المشاهد في هذا الكون الفسيح والعجيب في أسراره ، المدهش في أغواره ، فهذا دليل علمه بها قبل الإيجاد ، فبطريق أولى أن يعلم بها بعد الإيجاد ، لأنّ علمه بها قبل إيجادها