البحث الأول
عقيدتنا في النظر والمعرفة
قال المصنف (قدسسره) : نعتقد أن الله تعالى لمّا منحنا قوة التفكير ، ووهب لنا العقل ، أمرنا أن نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه ، ونتدبّر في حكمته ، وإتقان تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (فصلت / ٥٣) وقد ذمّ المقلدين لآبائهم بقوله تعالى : (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة / ١٧٠).
كما ذمّ من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ). وفي الحقيقة إن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون ، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدّعي النبوة وفي معجزاته. ولا يصح عندها تقليد الغير في ذلك ، مهما تكن لذلك الغير منزلة وأثر ، وما جاء في القرآن الكريم من الحثّ على التفكير واتّباع العلم والمعرفة ، فإنما جاء مقرّرا لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء ، وجاء منبّها للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكير ، ومفتحا للأذهان وموجّها لها على ما تقتضيه طبيعة العقول.
فلا يصح ـ والحال هذه ـ أن يهمل الإنسان نفسه في الأمور الاعتقادية أو يتكل على تقليد المربّين أو أي أشخاص آخرين ، بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص ويتأمل وينظر ويتدبر