رابعا : إنّ المقتضي لتعلّق القدرة بالمقدور إنما هو الإمكان ، إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلّق ، والإمكان سار في الجميع فيثبت الحكم وهو صحة التعلّق.
هذه النقوص الأربعة بنفسها أدلة للحكماء المثبتين لصحة القاعدة المزبورة لكن بمعنى أنّ الواحد الشخصي يصدر منه واحد نوعي ، فيمكن جعل هذه القاعدة من الأدلة العرفانية على وحدة الوجود ، أي أن الوجود بما هو وجود مفتقر ومرتبط بموجده ، وليس معنى الوحدة عند أهل المعرفة الحلول والاتحاد تعالى سبحانه عن ذلك علوّا كبيرا.
إشكال :
يقال : إن الالتزام بعموم القدرة يعني الالتزام بكون الأفعال الصادرة من المكلّف لا تعدّ اختيارية ، لأنّ لازمه تعلق القدرة الإلهية بالفعل الاختياري ، وهي لا تتخلّف عن المراد ، فيكون ضروري الوقوع ويكون الإنسان مجبرا عليه لا مختارا منه.
والجواب :
ما تصوره المستشكل غير صحيح وذلك لأن الإرادة الإلهية إنما تعلّقت بالفعل على ما هو عليه في نفسه ، وما عليه الفعل هو أنه منسوب إلى الإنسان ولا يتغير بتعلق الإرادة عمّا هو عليه ، فقد تعلّقت الإرادة بالفعل من طريق اختيار الإنسان ، ومراده تعالى أن يفعل الإنسان الفعل الفلاني باختياره ، ومن المحال أن يتخلّف مراده تعالى عن إرادته.
تساؤل :
قد عرفنا مفاد القاعدة فما وجه إقحامها في بحث القدرة؟
يجاب عنه :
إنّ إقحامهم لها في بحث القدرة من أجل انكارهم لعموم القدرة الإلهية الشاملة لكل المقدورات ، بل قدرته ـ بزعمهم ـ خاصة بصدور العقل الأول منه فقط والبقية يكون السابق خالقا للاحق كما عرفت سابقا.
وبهذه الزندقة أخرجوا الله تعالى من سلطانه ولا يبعد كونهم المفوّضة الذين ورد اللعن عليهم والبراءة منهم.
وبما ورد من النقض عليهم تسقط قاعدتهم عن الحجيّة ويثبت العكس وهو