والجواب :
إنّ المراد من الخير والشر إن كان عن فعلهما فلما لا يجوز إسنادهما إلى شيء واحد(١).
إضافة إلى أن الخير والشر ليسا ذاتيين للشيء فجاز أن يكون الشيء خيرا بالقياس إلى شيء ، وشرا بالقياس إلى آخر ، بمعنى أن الشر أمر انتزاعي لا حقيقي ، فنحن إذا قسنا بعض الموجودات إلى البعض الآخر ننتزع عنوان الشرّية ، فهي شر بالقياس إلينا ، وخير بالقياس إلى نفسها أو غيرها.
الشبهة الثالثة :
أنه لا يقدر على فعل القبيح «بزعمهم».
استدلّ النظّام وجماعة على ذلك أنه تعالى لو قدر على فعل القبيح لدلّ على كونه جاهلا بقبحه أو محتاجا إلى فعله لاستلزامه الظلم المحال عليه تعالى.
والجواب :
إنّ قدرته تعالى على القبيح تماما كقدرته على فعل الحسن ، ولا فصل من ناحية القدرة بين الاثنين ، لأنّ قدرته تعالى متساوية النسبة إلى كل المقدورات.
والقدرة على القبيح لا بدّ أن يتحقق فيها شرطان :
الأول : الداعي إلى الفعل.
الثاني : الحكمة من الإقدام عليه.
أما الداعي إلى فعل القبيح ، فهي منفية عنه تعالى لاستلزامه الجهل أو الحاجة إذ لا يقدم على فعل القبيح إلّا جاهل أو محتاج معدم ناقص ، وعدم الداعي لا يعني عدم القدرة ، إذ لا يفرّق بين عدم القدرة على الشيء أصلا ، وبين عدم القيام به لعدم الداعي أو المقتضي ، فالوالد المشفق قادر على ذبح ولده ولكنّ الدواعي إلى هذا الفعل منتفية.
وأما الحكمة من الإقدام ، فحيث إنّ قدرته تعالى متساوية النسبة إلى فعل القبيح والحسن فهو قادر على إدخال المطيع الجنّة وفي نفس الوقت قادر على إدخاله النار ، إلّا أنه عزّ شأنه لا يفعله لأنه خلاف الحكمة والعدل ، وداخل في
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٠٩ ط الأعلمي ١٩٧٩ م.