نطاق الظلم وهو منزّه عنه تعالى ونهى العباد عنه ، فكيف ينهى عن شيء ثم يفعله؟ حاشاه عزوجل. وبالنسبة لكون القدرة على القبيح مستلزمة للظلم فباطلة أيضا وذلك :
لأنّ القدرة على القبيح ليست بظلم بل فعله ظلم ، والله سبحانه قادر على ذلك لكنه منزّه عن فعله كما قلنا ، وهو تماما كقدرة المؤمن على فعل المعصية والشرّ ولا يفعلهما لعلمه بقبحهما ، ولا يقال انه عاجز عنهما. قال تعالى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر / ٤٥).
الشبهة الرابعة :
أنه تعالى غير قادر على مثل مقدورنا.
قال البلخي : أنه تعالى غير قادر على نفس مقدور العبد ، إذ لو قدر عليه وفعله يلزم منه محذوران :
الأول : إمّا أنه طاعة.
الثاني : وإمّا أنه سفه.
وكلاهما مستحيلان.
والجواب :
إن الطاعة والسفه وصفان عارضان للفعل لا يوجبان له المخالفة الذاتية ، لأنه في صورة الإطاعة والعبث فالفعل واحد لا يتغيّر وإنما الدواعي متغيرة باختلاف المتعلقات ، وباختلاف الدواعي ننتزع عنوان الطاعة والعبث ، مثاله :
أننا نفترض أن الإنسان لو قفز قفزات ، فمرة يقفزها بلا داعي فهذا ينتزع منه العبثية.
ومرة يقفزها تقليدا بداعي الطاعة ، ومرة بداعي النشاط والسرور ، فالفعل في هذه الحالات الثلاث واحد وإنما الاختلاف في الدواعي والمتعلقات.
فلو صدر الفعل في الحالة الثالثة أمكن صدوره في الحالتين الأوليين لأن المفروض أنّ ذات الفعل واحدة في الحالات الثلاث ، فإذا جاز وأمكن صدوره في الحالة الثالثة ، جاز في حالة الإطاعة والعبث ، لكن صدوره منه تعالى لا يدلّ على أنه سبحانه مطيع لغيره إذ لا أحد يأمره ، وأما صدور العبث منه تعالى فقد