الأول : إنّ كلامه تعالى فعله.
الثاني : الكلام النفسي.
النظرية الأولى :
إن كلامه فعله ، قد ذهب إلى هذه النظرية الشيعة الإمامية ، وتبعهم المعتزلة ، اعتقادا منهم بحسب الأصول الاعتقادية وأدلة العقل الصريح أن كلامه تعالى عبارة عن فعله أو إيجاد الكلام في الأشياء خارجا وإلّا لثبت له آلة الكلام وهي الفم وذلك من الجسمانيات المنزّه عنها الباري تعالى.
فلا بدّ أن يصرف كلامه عند الإطلاق على الفعل الخارجي أو إيجاده الكلام في الأشياء كما قلنا ، فعند ما تسمع : أن الله متكلم لا بدّ لك أن تصرفه فورا إلى أنه تعالى أوجد الكلام بالأشياء أو أن كلامه نفس فعله ، فيكون كاشفا عن كمال قدرته وعلمه تعالى ، وما ورد عن أنه سبحانه كلّم بعض أنبيائه كموسى عليهالسلام على طور سيناء ونبيّ الرحمة محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند المعراج ، فلا يعني تكليمه عزوجل لهما بالجارحة وإنما أوجد الكلام بالأشياء ، لذا ورد أنه عزوجل خلق الصوت في الشجرة أيام موسى عليهالسلام ، وخاطب محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة بصوت يحبه الله عزوجل ويعشقه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويشهد لكون الكلام فعله وأثره ما ذكره أهل اللغة من أن دلالة الألفاظ على ما في الذهن اعتبارية ، «لأنّ اللفظ دالّ على ما في الضمير كاشف عنه ، فهناك موجود اعتباري وهو اللفظ الموضوع يدل دلالة وضعية اعتبارية على موجود آخر وهو الذي في الذهن ، كذا هناك موجود حقيقي دالّ بالدلالة الطبعية على موجود آخر كذلك كالأثر دالّ على مؤثره ، وصفة الكمال في المعلول الكاشفة عن الكمال الأتم في علته ، كان هذا أولى وأحقّ بأن يسمّى كلاما لقوة دلالته»(١).
إذن فكما أنّ الكلام يكشف عمّا في ضمير المتكلم من المعاني وعمّا في ذاته من قدرة وعلم وحكمة فكذلك الفعل ، فإنه يكشف عمّا في نفس الفاعل من خصوصيات وصفات كمال وجلال ، والفعل أبلغ في كثير الأحيان من القول.
ونؤيّد صحة ما قلنا بما قصّه القرآن الكريم من أن عيسى عليهالسلام كلمة ألقاها إلى مريم البتول عليهاالسلام قال تعالى :
__________________
(١) بداية الحكمة : ص ١٦٩.