يفهمون من الكلام إلّا المؤلف من الحروف والأصوات فنقول :
أولا : ليرجع الشخص إلى نفسه أنه إذا أراد التكلم بالكلام فهل يفهم من ذاته أنه يزوّر ويرتّب معاني فيعزم على التكلم بها ، كما أن من أراد الدخول على السلطان أو العلم فإنه يرتّب في نفسه معاني وأشياء ويقول في نفسه سأتكلم بهذا ، فالمتصف يجد من نفسه هذا البتة ، فها هو الكلام النفسي) (١).
يلاحظ عليه :
إن الكلام إذا صدر من متكلم فلا يتصوّر فيه إلّا أمور ستة :
الأول : صدور الصوت والحروف منه.
الثاني : علمه بما تكلم به.
الثالث : تصوّر النسبة بين الموضوع والمحمول.
الرابع : وجود الرابط اللفظي بينهما.
الخامس : توجّه السامع لمعاني كلام المتكلم.
السادس : فهمه لمراد المتكلم من كلامه.
والخامس والسادس ليسا كلاما بالاتفاق.
والأمور الباقية غير الأول لا تسمى كلاما أيضا لأنها إمّا تصور الرابط ، أو النسبة الواقعية واللاواقعية ، وأما العلم أو الإرادة أو مجرّد الوهم والخيال وليس وراءها شيء يسمى كلاما نفسيا (٢).
ومن الواضح أن الكلام النفسي الذي يعنونه مخالف للثاني والثالث لأنه بإقرارهم غير العلم والإرادة والوهم والخيال ، وغير تصوّر الأطراف والعلم بالنسبة ، وأيضا مخالف للرابع لأنّ مفردات اللفظ والرابط أمور خارجية غير قديمة ، وهكذا معانيها غالبا ، فبالضرورة والوجدان يعلم أن الكلام ليس إلّا الأمر الأول وهو كيف وعرض محسوس بالسمع فلا يكون الكلام النفسي معقولا.
استدلال الأشاعرة :
قالت الإمامية كما أسلفنا أن كلامه فعله أو بعبارة ليس هناك شيء وراء العلم
__________________
(١) الإلهيات : ج ١ ص ١٩٨ ودلائل الصدق : ج ١ ص ١٤٥.
(٢) دلائل الصدق : ج ١ ص ١٤٧.