بيان الملازمة :
أنه تعالى قد أخبر في القرآن وغيره من الكتب السماوية بإرسال نوح عليهالسلام في الأزل في قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ...) ولكنه بهذا المعنى لم يرسله إذ لو كان إرساله في الأزل فإنه لا سابق على الأزل مع أنه أخبر بإرساله فيه ، وعليه فيكون كلامه وإخباره كذبا.
وبعبارة أوضح :
إن كون كلامه قديما يلازم أن يكون قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ...) قديما أزليا ، والآية تحكي عن السابق لأنها مصوغة بالماضي مع أن الأزل لا يتصور فيه الماضي ، إذ الماضي بمنى السابق المنقضي والأزل لا سبق عليه فيكون كلامه كذبا والكذب قبيح مستحيل في حقه تعالى.
الوجه الرابع :
لو كان القرآن قديما لزم منه العبث في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ووجه العبثية أنه على زعمهم يكون قد أمر بالصلاة وإيتاء الزكاة منذ الأزل ، مع أنه لا تكليف ولا مكلّف في الأزل باعتبار عدم وجود مكلّفين قبل الخلق حتى يخاطبهم بهذه التكاليف ، فكل ذلك يعدّ عبثا ، والعبث قبيح في حكمة الباري عزوجل.
الوجه الخامس :
إن القرآن يصف نفسه بأنه محدث كما في قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأنبياء / ٣).
والذكر هو القرآن المجيد لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (الزخرف / ٤٥) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر / ١٠) ، فهنا وصف الله القرآن بأنه محدث فلا يكون قديما.
فما ادّعاه الأشاعرة من قدم القرآن يناهض الأدلة النقلية والعقلية ، إضافة لما يترتب عليه من أحكام سلبية كتكفيرهم لمن لا يقول بقدمه ، وهذا جدا أمر خطير يجرّ الويلات على الأمة الإسلامية ويجعلها عرضة لنبال الأعداء وضرباتها ، في حين أنها بأمسّ الحاجة إلى التعاضد والتآلف والجلوس على مائدة آل طه رزقنا الله تعالى الفوز معهم في الدنيا والآخرة.