الصفة الثبوتية الإضافية (٢)
صفة الخلق
مما لا ريب فيه أنّ مسألة الخلق من الصفات التي تفرّد بها المولى عزّ شأنه أصالة ، فلا خالق في الكون بالعنوان الأوّلي (أصالة) غيره سبحانه ، فكل ما نراه من الممكنات وما يتبعها من الأفعال والآثار كلها مخلوقاته عزّ اسمه حقيقة لا مجازا ، فكل موجود عداه فهو مخلوق لله تعالى (عدا الأفعال) إما بالمباشرة أو بالتسبيب.
والدليل عليه ما تقدم معنا سابقا من أنّه تعالى واجب الوجود بالذات غنيّ حكيم وغيره ممكن فقير ، فكما أن ذات الممكن قائمة به سبحانه فكذا فعله فإنه مستند إلى الواجب ليفيض عليه القدرة والقوة لكي يصدر الفعل من فاعله والأثر من مؤثره ، وإلا أصبح الممكن آلة مسيّرة لا تملك من أمرها شيئا على الإطلاق ، فيبطل الثواب والعقاب والذمّ والمدح والحسن والقبيح.
فما في الوجود هو رشح من فيض جوده المقدّس ، وهذا حكم عقلي أكدته نصوص الكتاب :
(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد / ١٧).
(اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر / ٦٣).
(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (الأنعام / ١٠٢).
فالعقل والنقل يحكمان أن كل شيء صادر منه تعالى إذ ليس في الدار غيره ديّار ، لكن ليس معناه أنه سبحانه لم يفوّض هذا الأصل إلى غيره ممن له قابلية الكمال فيخلق بإذنه تعالى وتبعا لمشيئته وأمره ، وليس كما ادّعى جمهور السنّة أنه لا مؤثر في الوجود غير الرب المعبود لا على نحو الاستقلال ولا على نحو التبع ، فبذلك يكونون قد أنكروا مبدأ السببيّة والمسببيّة في النظام التكويني زعما منهم أن