آثار الظواهر الطبيعية كلها مفاضة منه تعالى من دون أن يكون هناك رابطة بين الظواهر المادية وآثارها ، فالنار بنظرهم إنما تكون حارة لأنه سبحانه جرت سنته على إيجاد الحرارة عند وجود النار مباشرة من دون أن تكون هناك رابطة بين النار وحرارتها ، والشمس وإضاءتها بل جرت سنته وقدرته سبحانه على إيجاد الضوء عقيب الشمس من دون وجود نظام تكويني باسم السببية والمسببيّة أو العلة والمعلول ، فليس في العالم سوى علة واحدة ومؤثر واحد يؤثر بقدرته وسلطانه في كل الأشياء من دون أسباب ومؤثرات.
وعلى هذا فقد نسبوا كل شيء إليه حتى أفعال البشر فإنها مخلوقة لله تعالى مباشرة وليس لقدرة العبد الحادثة فيه أيّ وزن أو تأثير في فعله على الإطلاق بل العبد كاسب للفعل الإلهي وأداة له.
يلاحظ عليه :
أولا : صحيح أنّ كل الممكنات مخلوقة لله تعالى إلّا أنها تتوقف في وجودها على شروط لا تتحقق بدونها كتحقق وجود الابن على وجود والديه ، وعلى وجود شرائط أخرى زمانية ومكانية ، فوجود الوالدين وبقية الشروط بعض أجزاء العلة التامة ، فمع تدخّل القدرة الإلهية تصبح العلة تامة لتحقق وجود الولد ، فهو سبحانه بالنسبة إلى مجموع العالم علة تامة إذ لا يتوقف على شيء غيره سبحانه ، وأما سائر أجزاء العالم كوجود زيد فيتوقف على ما هو قبله من العلل وما هو معه من الشرائط والمعدّات وكلها ترجع إلى العلة الأولى.
ثانيا : إنّ الخالقية المستقلة تنحصر به عزوجل لأنه الغني المطلق وغيره فقير إليه ، فلو قام غيره بعملية الخلق كما حصل لبعض الأنبياء والأولياء فإنّما يقوم بذلك بإذن وتسبيب منه تعالى ، فالكل جنده يعملون بتمكين منه لهم.
ثالثا : إنّ القرآن يسند إلى الإنسان أفعالا لا تقوم إلّا به مع إعطائه القدرة عليها كأمره سبحانه العباد بالطاعة وزجرهم عن المعصية ، فلو كانت الأفعال مخلوقة لله تعالى لبطل الأمر والزجر والثواب والعقاب.
رابعا : إن القرآن الكريم يربط الظواهر الكونية بقانون العليّة والمعلولية ، وفي الوقت نفسه يسندها إليه تعالى حتى لا يغترّ الإنسان بأنّ آثار الموضوعات متحققة من تلقاء نفسها ، وأمثلته كثيرة في كتاب الله تعالى وهي على طوائف منها :
الطائفة الأولى : قوله تعالى : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء / ٨١).