فحصر سبحانه هنا الخالقية به تعالى وفي آية أخرى ينسب الخلق إلى بعض أوليائه بقوله تعالى :
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (المائدة / ١١١). وقوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران / ٥٠).
هنا أمور أربعة يعجز البشر عن تحقيقها من دون استعانة به تعالى فهل يقدر البشر أن يخلقوا من دون استعانة بالله تعالى؟
كلا وألف كلا ، وما يروّج له الاستعمار الأميريكي والأوروبي من مسألة الاستنساخ البشري والذي روّجت له الصحف والإعلام أخيرا ما هو إلا تمويها على الضعفاء لإبعادهم عن الدين وعن الارتباط بخالق السماء ، ولو سلّمنا جدلا بصحة ما يقولون ويدّعون فهم ليسوا إلا واسطة في جمع الجينات والنطف بعضها مع بعض لتشكّل كائنا حيويا ، فهم بمثابة العلة الإعدادية لتولّد الجنين عند الأبوين ، حيث يقومان بالعملية الجنسية فتدخل النطفة الذكرية إلى رحم المرأة لتتلقّح بالبويضة ، فلا يصدق عليهما أنهما خلقا جنينا وإنما أعدّا النطفة والبويضة لكي يلتقيا في ظرف معين وتحت شروط خاصة.
والاستنساخ البشري من هذا القبيل لو سلّمنا بصحته ، إضافة إلى أنه بمثابة إيحاءات شيطانية ؛ الغاية منها إهلاك الحرث والنسل والتلاعب بمصير البشر وصدق الباري عند ما قال حكاية عن إبليس (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) (النساء / ١٢٠).
ولا يقال للعلة الإعدادية أنها علّة فاعلة ، بل تشبهها ، تماما كمشابهة المجاز للحقيقة ، فليس من صنع الكرسي يقال أنه خلقها بل ركّبها لأنّ الخلق معناه أن يوجد المواد الأولى من العدم ، لا أن يركّبها بعد فرض وجودها خارجا ، فما يروّج له اليوم من الاستنساخ ما هو إلّا ابتزاز المعتقدات من نفوس أتباع الشرائع والأديان ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (النور / ٦٤).