يتلخص مما ذكرنا أن الآيات على طائفتين :
طائفة تحصر الأمور به تعالى على وجه الأصالة.
وطائفة تنسب هاتيك الأمور إلى غيره تعالى تبعا بإذنه وأمره وتحت ظلّ قدرته ، وبما أن هذا العالم هو عالم الأسباب والمسببات ، وأن كل ظاهرة لا بدّ أن تصدر وتتحقق في مجراها الخاص بها المقرّر لها في عالم الوجود ، ينسب القرآن هذه الآثار إلى أسبابها الطبيعية دون أن تخرج الله عزوجل من سلطانه ، ففعل هذه الموجودات هو فعله تعالى لأنه أفاض عليها الحياة والقدرة ، فنسبة هذه الأمور إلى الموجود الطبيعي نفسه إشارة إلى الجانب المباشري فيما يكون نسبتها إلى «الله» إشارة إلى الجانب التسبيبي وقد أشار القرآن إلى هاتين النسبتين بقوله تعالى :
(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال / ١٨).
فقد نسب إلى النبي أنه رمى (إِذْ رَمَيْتَ) في حين يصف نفسه تعالى أنه هو الرامي الحقيقي (اللهَ رَمى).
فالله رامي بالتسبيب حيث أعطى القوة والقدرة والحياة للعبد لكي يرمي ولولاه تعالى لما قدر العبد على الرمي أو الفعل المباشري الصادر من العبد.
إلى هنا انتهينا من الأمر الثاني ، بقي الأمر الثالث الأخير.
الأمر الثالث : الصفات السلبية :
قد تقدم بيان الصفات الثبوتية وهي صفات الجمال والكمال التي تعني توصيفه تعالى بما يعدّ كمالا للموصوف وجمالا له.
وفي المقابل توجد صفات تسمّى بصفات السلب أي تنزيهه سبحانه عن كل عيب ونقص يجلّ الباري عنهما ، ويطلق عليها صفات الجلال.
والوجه في إطلاق السلب عليها باعتبار سلب النقص عن ساحته المقدّسة ، ولدخول أداة السلب على الصفة ، فإنّ إثبات القدرة بالصفات السلبية تعني سلب العجز عنه تعالى ، وإثبات العلم يعني سلب الجهل عنه ، وكذا باقي الصفات ؛ وما قاله المحقق السّيوري أحد متكلمينا رضوان الله تعالى عليهم من أنه «ليس من المعقول لنا من صفاته إلّا السلوب والإضافات» (١) ، ليس صحيحا وسديدا فإنه بقوله هذا قد أرجع الصفات الثبوتية إلى السلبية ، فليس من صفاته إلّا صفات الجلال.
__________________
(١) باب حادي عشر : ص ٤٩.