٢ ـ أن يكون عالما به ، ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.
٣ ـ أن يكون عالما به ، وغير مجبور عليه ولكنه محتاج إلى فعله.
٤ ـ أن يكون عالما به ، وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه ، فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى ، وتستلزم النقص فيه ، وهو محض الكمال ، فيجب أن نحكم أنّه منزّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.
غير أن بعض المسلمين جوّز عليه تعالى فعل القبيح تقدّست أسماؤه ، فجوّز أن يعاقب المطيعين ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين ، وجوّز أن يكلّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ومع ذلك يعاقبهم على تركه ، وجوّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع ، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة ، بحجة أنّه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
فربّ أمثال هؤلاء الذين صوّروه على عقيدتهم الفاسدة : ظالم جائر سفيه لاعب كاذب مخادع ، يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، وهذا هو الكفر بعينه. وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) ، وقال : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) ، وقال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ، وقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذه باطلا.
* * *
أقول : البحث في العدل عبر جهات :
الجهة الأول : معنى العدل :
العدل : لغة بمعنى التسوية بين شيئين (١) ، وعكسه الجور ، فالعادل من لم يمل به الهوى فيجور في حكمه ، وفي الحديث :
«من المنجيات كلمة العدل في الرضا والسخط».
__________________
(١) لسان العرب : ج ١١ ص ٤٣٣ مجمع البحرين : ج ٥ ص ٤٢١.