لأنه على هذا التفسير إعطاء كل ذي حقّ حقه ، ومعلوم أن الإعطاء لا يكون قبل إيجاد الخلق ، لأنّ الإعطاء منتزع من مقام الفعل ، فلا إعطاء قبل الإيجاد ، فهو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، فعلى هذا لا يصح أن يكون «العدل» من صفات الذات.
لكنّ هذا الإيراد ليس واردا على المصنّف بل يمكن توجيه اعتقاده كون العدل من الصفات الذاتية باعتبار كون العدل عنده مرادفا للحكمة ، فيكون العدل على وزان الحكم ، بمعنى العلم ومعرفة الأشياء على حقائقها ووضعها في المواقع اللائقة بها وبهذا قال نصير الدين الطوسي :
«إن وجوب الوجود يقتضي وصف الله تعالى بالحكمة لأنّ الحكمة قد يعني بها معرفة الأشياء ، وقد يراد بها صدور الشيء على الوجه الأكمل ولا عرفان أكمل من عرفانه ... فإن أفعاله تعالى في غاية الإحكام والإتقان» (١).
فعلى هذا القياس يكون للحكمة معنيان :
الأول : معرفة الأشياء ومواضعها اللائقة بها.
الثاني : استحكام وإتقان الفعل.
فلو فسّرنا «العدل» بالمعنى الأول للحكمة ، فلا ريب يكون صفة ذات ، ولو فسّرناه بالمعنى الثاني يكون صفة فعل.
الجهة الثالثة : في المثوبة والعقوبة :
أثيرت مسألة هي : هل أنه سبحانه يثيب على الطاعات ويعاقب على المعاصي بمقتضى عدله أم بلطفه؟
ظاهر كلام المصنّف (قدسسره) أنه تعالى يثيب على الطاعات بمقتضى عدله ، حيث إن الإخلال بالإثابة على الطاعات يعدّ ظلما يتنزّه عنه الباري عزوجل ، وأما عقاب العاصي فإنه جائز وليس واجبا عليه تعالى.
وقد أشكل عليه البعض :
بأن الإثابة على الطاعات من باب التفضّل دون الاستحقاق ، إذ العبد وعمله لمولاه ، فلا يملك شيئا حتى يستحق به الثواب ، اللهمّ إلّا أن يقال : إن الله
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٢٦.