«واحملني بكرمك على التفضّل ولا تحملني بعدلك على الاستحقاق فما أنا بأوّل راغب رغب إليك فأعطيته وهو يستحق المنع ولا بأوّل سائل سألك فأفضلت عليه وهو يستوجب الحرمان ...».
«اللهم إن تشأ تعذّبنا فبعدلك فإنه لا طاقة لنا بعدلك» (١).
فإن أثاب سبحانه فبتفضّله ولا يعني ذلك أنه يدخل المؤمن العاصي النار لأن ذلك يعدّ ظلما يتنزّه عنه الباري بل يدخلهم الجنّة راضيا منهم العمل اليسير مع بقاء الاعتقاد موجودا لديهم فبذلك يتفضّل عليهم بالمغفرة والثواب.
أما مسألة أن له أن يجازي العاصين لا أن يكون واجبا عليه بحكم العقل فبوجهين :
عقلي ونقلي.
أما الدليل العقلي فبأمرين :
الأول : فلأنّ العقاب حقه تعالى فجاز إسقاطه ، والمقدمتان ظاهرتان ، أما الأولى فواضحة إذ إن العقاب مختص به عزوجل وبيده وضعه ورفعه. وأما الثانية : فلأنه لا ضرر عليه تعالى في تركه العقاب على مستحقه.
الثاني : فلأنّ العقاب ضرر بالمكلّف ولا ضرر في تركه على مستحقه ، وكل ما كان كذلك كان تركه حسنا ، أما أنه ضرر بالمكلّف فضروري ، وأما عدم الضرر عليه تعالى في تركه العقاب فقطعي لأنه تعالى غني بذاته عن كل شيء.
أما الدليل النقلي :
فما ورد في الكتاب الكريم بالعفو عن العاصين المتحققة فيهم شروط معيّنة.
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء / ٤٩).
وللحديث المتفق عليه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
الجهة الرابعة : القبح والحسن العقليين :
نشب الخلاف بين الإمامية والأشاعرة في مسألة العدل الإلهي وأفعاله عزّ
__________________
(١) الصحيفة السجادية ، والموضوعات على الصحيفة : ص ٢٩ ـ ٣٠.