عن الحسن لانتفاء حكمته تعالى على هذا التقدير.
الوجه الثالث :
إن الشارع المقدّس بناء على القول بكون القبح والحسن شرعيين يجوز له حينئذ أن يحسّن أو يقبّح ما حسّنه الشرع أو قبّحه ، وعلى هذا يلزم جواز تقبيح الإحسان وتحسين الإساءة وهو باطل بالضرورة ، لأنّ وجدان كل إنسان يقضي بأنه لا يصح أن يذمّ المحسن أو يمدح المسيء ، وهذا عكس ما يفرضه العقل والوجدان.
هذه أهم الأدلة على إثبات مسألة الحسن والقبح العقليين.
يبقى سؤال يطرح على بساط البحث ويردده كثيرون هو :
إذا كان سبحانه لا يفعل القبيح فما تفسير الشرور الصادرة من الطبيعة وغيرها كالزلازل والهزات والسيول والفيضانات والبلايا والآلام والموت ، وكذلك الاختلافات الموجودة في نفس الأفراد كالسواد والبياض والبلادة والذكاوة الخ ...
أليست هذه أمورا قبيحة وقد قلتم إنه تعالى منزّه عن فعل القبيح؟
والجواب : من ناحيتين :
إجمالية وأخرى تفصيلية :
الناحية الإجمالية :
تقريب ذلك : أنه لا مجال لرفع اليد عما ينتهى إليه بالبراهين القطعية من أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن بمثل هذه الأمور المذكورة آنفا ، بل اللازم بحكم العقل هو حمل هذه الأمور على ما ينافي البراهين القطعية ، إذ إن موارد النقض كأمثال المذكورات لا تفيد القطع بالخلاف بل غايتها هو عدم العلم بوجهها ، فيمكن رفع إبهامها بما ثبت من أنه تعالى لا يفعل القبيح لكونه حكيما على الإطلاق ، فنحكم بملاحظة ذلك أن هذه الأمور لا تخلو عن الحكمة والمصلحة وإلّا لم تصدر من الحكيم المتعال ، إذ ليس فيه عوامل صدور القبيح كالجهل والعجز أو غير ذلك مما يكون نقصا أو غير لائق بجنابه ، بل كل ما يصدر منه تعالى يبتني على الحكمة والصلاح والخير.
من هنا قد جرت عادة الحكماء أن يقسّموا الموجودات الممكنة بالقسمة