شرّه ، لأنّ في ترك الأول شرّا ، وفي ترك الثاني شرّا كثيرا ، فما يوجد من الشر نادر قليل بالنسبة إلى ما يوجد من الخير ، وإنما وجد الشرّ القليل بتبع الخير الكثيرة» (١).
الناحية التفصيلية :
تقريب ذلك من عدّة وجوه :
الوجه الأول :
لا تطلق الشرور إلّا على عدم الوجود مما له شأن الوجود كموت زيد بعد وجوده ، أو إعدام الشجر بعد أن كان موجودا أو على عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال كعدم الثمر من الشجر القابل له ، أو عدم العلم عمّن له شأنية العلم ؛ أما عدم زيد قبل إيجاده فلا يكون شرّا لأنه اعتبار عقلي ليس من وقوع الشر في شيء ، بخلاف عدم زيد بعد وجوده فإنه شرّ ، وهكذا لا يكون عدم الشيء المأخوذ بالنسبة إلى شيء آخر شرّا كفقدان الماهيات الإمكانية كمال للوجود الواجبي أو كفقدان كل ماهية وجود الماهية الأخرى الخاص بها مثل فقدان النبات يترتّب عليه وجود الحيوان ، وفقدان البقر يترتّب عليه وجود حيوان آخر آكل للبقر وهكذا ... «فإن هذا النوع من العدم من لوازم الماهية وهي اعتبارية غير مجعولة (٢)».
إذن ليس كل فقدان يعدّ شرّا بل الفقدان الذي من شأنه الوجود ، ففقدان كل مجرّد موجود بالنسبة إلى مجرّد أعلى منه لا يكون شرّا إذ ليس له شأنية ذلك الوجود حتى يكون فقدانه شرّا.
فالشر قد يكون ذاتيا وأخرى إضافيا.
فالذاتي وهو ما يسمى بالوجودي الذي يقتضي منع التوجّه إلى كمال من الوصول إليه مثل البرد المفسد للثمار وكالآلام والغموم وغير ذلك فإننا إذا تأملنا في ذلك وجدنا البرد في نفسه من حيث هو كيفية ما أو بالقياس إلى علته الموجبة له ليس بشرّ بل هو كمال من الكمالات وإنما هو شرّ بالقياس إلى الثمار لإفساده أمزجتها فالشر بالذات هو فقدان الثمار كمالاتها اللائقة بها ، والبرد إنما صار شرّا
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن : ج ١٣ ص ١٨٨.
(٢) شرح الإشارات : ج ٣ ص ٣٢٠.