المسبوق بالنظر ، فالتذكر هو استرجاع المعلومات المخزونة في جهة ما في العقل ، وهذا يختلف تماما عن العلم عقيب النظر حيث لم يكن مخزونا في العقل حتى يقال أنه كالتذكر.
وأما دليل الأشاعرة فهو باطل بوجهين :
الأول : أن ما استدلوا به على المدّعى مبنيّ على قواعد الجبر التي قام الدليل على بطلانها.
الثاني : أنه سبحانه ربط المسبّبات بأسبابها ، وهذا قانون كلي ينطبق حتى على الكيفيات ومنها العلوم المسبّبة عن النظر فيكون لزومها عقليا لا عاديا.
واستدلّ الحكماء على نظريتهم القائلة : بأن المبدأ الفيّاض لوجود الحوادث موجب بالذات ، وأن فيضانها منه موقوف على الاستعداد التام ، ولا شك أن العلم الحاصل عقيب النظر أمر حادث فيندرج تحت تلك القاعدة.
فنظريتهم حدّ وسط بين المعتزلة والأشاعرة ، فالنظر عندهم عامل معدّ للإنسان لكي يفيض عليه المبدأ الفيّاض (١) العلم بالنتيجة بعد تمام الاستعداد عند النفس البشرية.
الأمر الثالث : كفاية النظر في حصول المعارف :
اختلف في هذه المسألة على قولين :
الأول : أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل لا بدّ من معونة معلّم يرشد إلى النظر ، فمن دون المعلّم يتعذّر حصول العلم.
الثاني : أن النظر كاف في تحصيل العلوم لأنّه متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلّم أو لا ، وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء لا يدلّ على امتناعها مطلقا من دون معلّم.
والأول لفرقة إسماعيلية تسمى ب «الملاحدة» ، واستدلّوا عليه : بأن أبسط الأشياء التي هي قريبة من الحسّ تحتاج إلى معلّم ، فمثلا : الحياكة والتجارة والصياغة والطبابة ونحوها ، أمور يحتاج المرء في تعلّمها إلى معلّم ، فمن دونه لا
__________________
(١) المبدأ الفيّاض عند الحكماء هو العقل الفعّال.